كشف أحد سكان قرية زنارة مركز تلا بالمنوفية، عن مسؤول تهريب الشباب والأطفال بالقرية، يٌدعى “أحمد س.” من قرية كوم الشيخ بنفس المركز، مقيم حاليًا في ليبيا بعدما استقر هناك وأسرته. وأضاف شاب القرية أن “س” الذي أصبح واحدًا من أكبر مهربي الشباب والأطفال المصريين بطرق غير شرعية، لديه عدد من “المندوبين” في قرى مختلفة يقومون بالتواصل مع الراغبين في السفر، وجمع الأموال منهم وإرسالها إليه.
وقال الشاب الذي رفض ذكر اسمه، يوجد شبيه ل “س” يقوم بدوره، في كل مركز وقرية، يقوم بالتواصل مع الراعبين في الهجرة، وشحنهم للهجرة إلى ليبيا ومن ليبيا إلى إيطاليا.
في عام ٢٠٠٢ فقدت نفس القرية ٢٥ شخصًا من أبناء محافظة المنوفية، ولم يتم العثور عليهم حتى اليوم، كانوا في عرض البحر متجهين إلى الغرب حيث الأمل في إيجاد حياة جديدة. اعتقد أهالي المحافظة حينها، أن هذه الواقعة ستكون رادعًا قويًا للعزوف عن فكرة الهجرة غير الشرعية، إلا أن الأمر استمر، بل زاد عدد الراغبين في السفر.
بدأت وزارة الهجرة تنفيذ المبادرة الرئاسية “مراكب النجاة”، التي أطلقها رئيس الجمهورية ضمن توصيات النسخة الثالثة من منتدى شباب العالم في ديسمبر 2019، في إطار مشاركة مصر في تنفيذ الاتفاق العالمي للهجرة، الذي شاركت مصر في مراحل إعداده واعتماده بمدينة مراكش المغربية في ديسمبر 2018.
ورغم الجهود الرسمية إلا أن التقارير تفيد بأن معدلات الهجرة غير الشرعية في تزايد مستمر بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
“موت وخراب بيوت “
قال شاب من قرية زنارة وهو قريب للشاب المفقود في حادثة غرق مركب الهجرة قبالة السواحل اليونانية الأسبوع الماضي، إن القرية شهدت موجات هجرة غير مسبوقة مؤخرًا، بعد أن ترعرعت الفكرة فيها منذ بداية الألفينات، بحثًا عن أوضاع مادية أفضل من التي يحياها الشباب في مصر.
وكشف الشاب من قرية زنارة عن ثمن رحلة “الموت في البحر” والتي تصل إلى ١٥٠ ألف جنيه للشخص الواحد تشمل نقله من بيته في القرية وصولًا إلى ليبيا ثم إيطاليا عبر البحر المتوسط. موضحًا وجود عدد كبير من “الأطفال” تتراوح أعمارهم بين ١٠ و١٣ عامًا في هذه الرحلات.
رحلة القلق
ياسر ربيع ابن عم الشاب المفقود في الرحلة الأخيرة، أحمد عبد العزيز، يقول:” آخر مكالمة تمت بينه وبين زوجته كانت يوم الخميس قبل الماضي وطمأنها بأنه سيتحرك من ليبيا متجها لإيطاليا ومن يومها انقطعت أخباره حتى بدأ الخبر ينتشر بغرق المركب يوم الثلاثاء وتم تأكيده صباح يوم الأربعاء”.
وأضاف ربيع في اتصال مباشر مع موقع “الحرية” أن الساعات الأخيرة قبل سفره كانت مليئة بالتوتر بسبب مرض والدة “أحمد” إذ أجرت عملية جراحية قبل سفره بساعات قليلة، لافتًا إلى أنه حاول إقناعه بتأجيل السفر كي يسافرا سويًا بعد ” ولادة زوجته “ولكنه أصر على هذا التوقيت
الشاب أحمد عبد العزيز، ٣٤ عامًا، متزوج من ربة منزل ولديه ثلاثة أطفال أكبرهم ٥ سنوات، ووالده متوفي وله شقيقة وشقيق أكبر منه. حاصل على شهادة دبلوم وعمل فترة “شيف” أفراح ثم عمل “شيف” بفنادق شرم الشيخ والغردقة ثم سافر السعودية لمدة عام ونصف وعاد بعد انتهاء عقده هناك ولم يجد عقدًا آخر، متجها للعمل مرة أخرى بشرم الشيخ ونتيجة عدم استقرار أوضاع السياحة عاد لبلدته مرة أخرى يحاول في كل اتجاه باحثًا عن وضع أفضل. سافر إلى عمان ولكنه عاد بعد قرابة الشهرين، لم يجد هناك فرصة عمل، بحسب ما روى ابن عمه للحرية.
وتابع ” مشيت أنا وأحمد في سكة سفر لدولة كرواتيا وكانت بطريقة رسمية للعمل بالمطاعم هناك وأما الراجل بدأ يماطل معانا صرفنا نظر عن سكة كرواتيا، ومن هنا فكرنا سوا إننا نهاجر إيطاليا والفكرة ماكانتش جديدة دي منتشرة في مركز تلا بشكل كبير جدا وناس كتير حوالينا سافرت ووصلت واشتغلت”.
واستكمل حديثه قائلا “الفكرة ما أخدتش كتير معانا ومش محتاجة تفكير خصوصا إننا عارفين طريق السفر ازاي وده كان من خلال مناديب لشخصين أشقاء من قرية كوم الشيخ اسمهم أحمد س. ومحمد س. وهما مقيمين في دولة ليبيا وبالفعل أحمد تواصل معاهم ودفع ١٥٠ ألف جنيه وسافر من خلالهم وقاموا بإغلاق هواتفهم عقب إعلان خبر غرق المركب”.
سألته محررة الحرية: لماذا لم يستثمر ابن عمه مبلغ ال ١٥٠ ألف في مشروع بدلًا من محاولات السفر؟
قال إن “جزءًا بسيطًا منهم ملك أحمد وباقي المبلغ استلفه من أصدقائه وشقيقه وأحمد بالفعل كان يمتلك مطعم ولكنه أغلقه منذ فترة بسيطة ” واحد عنده ٣ أطفال هيصرف عليهم منين وكل يوم الحاجة بتزيد الضعف”.
قال ياسر إن عدد الذين سافروا من قرية زنارة في الرحلة الأخيرة، ١٢ شخص، تم إنقاذ اثنين منهم و١٠ لا يزالوا مفقودين، من بينهم ابن عمه.
ناجون من الموت
ومن جانبها، أعلنت السفيرة سها جندي، وزيرة الهجرة ، أنه يتم التنسيق مع الجهات المعنية، للوقوف على أسماء الناجين وموقفهم، وكذلك الذين لقوا مصرعهم خلال هذه الكارثة، موضحة أن إجمالي عدد من كانوا على متن المركب يتراوح بين 400 إلى 750 من جنسيات مختلفة.
وقالت الوزيرة في بيان رسمي إن إجمالي عدد المصريين الناجين 43 منهم 5 قُصر، 38 شاب تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 40 عامًا، موضحة أن هناك 8 يتم التحقيق معهم ووجهت لهم تهمة تنظيم هجرة غير شرعية والتسبب في قتل ضحايا والتورط في جريمة منظمة، وهم رهن الاعتقال.
وأضافت وزيرة الهجرة أن إجمالي من تم إنقاذهم 104 من الجنسيات الأخرى، بينهم 12 باكستانيًا، و47 سوريًا، و2 من فلسطين، مؤكدة أن عدد المفقودين من المصريين غير محدد، لأن الحادث كان في مياه عميقة جدا.