تقترب عقارب الزمن من حلول شهر رمضان، وسط غياب أمل يلف الأجواء في تحقيق تفاهمات تمنع التصعيد الأمني في عدة ساحات، تتسم الأوضاع بالتعنت من قبل إسرائيل، حيث يستمر الصوت الحربي في التفوق على الصدى السلمي، ويبرز الصفقة المحتملة للأسرى كنقطة مركزية، حيث تكشف تفاصيل المرحلة الأولى عن إطلاق سراح 40 أسيراً إسرائيلياً من قطاع غزة، وسجناء فلسطينيين في المقابل.
تشكل الصفقة الأمل في التوصل إلى تفاهمات شاملة، لكنها تتأثر بالسياسة الإسرائيلية وتصاعد التوترات، كما يركز الاتفاق على زيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، مع الالتزام بتيسير دخول 500 شاحنة مساعدات يوميًا، يشمل الاتفاق أيضًا فتح ممر بحري لنقل المساعدات عبر سفن قادمة من قبرص.
وينتظر وفد إسرائيلي عائدًا من قطر في هذا الوقت، لبحث مسودة الصفقة، فيما تشير التوقعات إلى إمكانية التوصل لاتفاق قبل بداية شهر رمضان، تبقى الأمل في تحقيق تفاهمات شاملة يعيد الهدوء ويجعل شهر رمضان فترة للسلام والتفاهم.
نازحو الشمال
وأعلن يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، أن إسرائيل قد حسمت قضية شمال قطاع غزة بمنع عودة النازحين، مؤكداً أنهم لن يعودوا إلى تلك المناطق دون إعادة جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، حيث جاءت تلك التصريحات خلال جولة لوزير الدفاع في الجنوب، مما يبرز التصعيد الحالي والتحديات التي تواجهها المنطقة.
في سياق متصل، تواصلت التحذيرات الإسرائيلية من خطر أي تصعيد خلال شهر رمضان، حيث اتهم غالانت حركة “حماس” بالتنسيق مع إيران و”حزب الله” لاستغلال هذا الشهر وتحويله إلى مرحلة جديدة في خطتها، وفي تقييم للوضع، مؤكدا أن إسرائيل ستبذل جهوداً كبيرة لمنع “حماس” من تحقيق أهدافها خلال رمضان، وهدد بالتصدي بحزم لأي نشاط يشكل خطراً على أمن الإسرائيليين.
جاءت تصريحات غالانت بعد عرض تقرير للجيش وجهاز الأمن العام (شاباك) حول خطورة أي إجراءات ضد المصلين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، حيث حذرا من تداول تلك القرارات، مطالبا مسؤولو الجيش وشاباك، رئيس الحكومة بعقد اجتماع طارئ لإعادة النظر في القيود المحتملة على المصلين خلال هذا الشهر الفضيل.
ودعا إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، فلسطينيي القدس المحتلة، عام 1948، إلى زيارة المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، مما أثار استياء الإسرائيليين وتمت تسميتها عملًا استفزازيًا وتحديًا للقرارات الإسرائيلية.
وحذر تقرير جهاز الأمن أيضًا من احتمال تدهور الأمن في الضفة الغربية، بالتزامن مع القتال المستمر وانتشار القوات على جميع الجبهات، ويظهر هذا السياق أهمية إيجاد حلاً سريعًا وفعّالًا للتوترات الحالية لتجنب تفاقم الوضع الأمني في المنطقة.
اجتماع الكابينت
وتجتمع الكابينت الحربي، اليوم الخميس، مع الحكومة الإسرائيلية، لاستعراض نتائج الاجتماع الذي عُقد في قطر يوم أمس الأربعاء، حيث ناقش الوفد الإسرائيلي في المفاوضات ردَّ حركة “حماس” على المسودة الأخيرة لصفقة الأسرى. يعيش تل أبيب حالة من التفاؤل المحدود والقلق الكبير بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع “حماس” بشأن صفقة الأسرى قبل حلول شهر رمضان.
تلقت إسرائيل إشارات سلبية من الوسطاء حول مسودة باريس للصفقة، واجتمعت مع خطوط حمراء واضحة وضعتها “حماس”، مع إصرارها على شروطها. في هذا السياق، أعرب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، إسماعيل هنية، عن مرونة الحركة في التفاوض من أجل حماية شعبها، ولكنه أكد استعداد الحركة للدفاع عنه.
مع ذلك، تشكل بعض مطالب “حماس” خطوط حمراء لا يمكن لإسرائيل التراجع عنها، مثل وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش من غزة، وهما شرطان يرفضهما تل أبيب وتطالب بتأجيلهما في مراحل لاحقة من الصفقة.
وفي تصريح لرئيس المكتب السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، أشار إلى أن التحدي يكمن في التوصل إلى تفاهمات ومسودة اتفاق، ولكن يظل هناك رفض من ممثلي “حماس” لأي تفاهم، مما يعيق تقدم الجهود. كما أكد أن هناك نقاط توافق تم الاتفاق عليها، لكن الخلافات تظهر حول طلبين رئيسيين لـ”حماس” لا يمكن لإسرائيل الموافقة عليهما في هذه المرحلة، وهما وقف تام للنار وانسحاب الجيش من غزة.
إلى جانب ذلك، تتعلق المساعدات الإنسانية بمضاعفة عدد الشاحنات من 250 إلى 500 يوميًا، وتظهر الخلافات بين الطرفين حول عودة النازحين إلى شمال القطاع. في هذا السياق، تصر إسرائيل على عودة تدريجية وترفض إدخال الفئة العمرية بين 18 و50 سنة، فيما تطالب “حماس” بمنع أي نوع من الطيران الجوي خلال الهدنة.
نافذة الفرصة
زادت عائلات الأسرى الإسرائيليين أمام التصاعد المحتمل للتوتر الأمني في العشرة أيام القادمة، من احتجاجاتها وضغوطها على صناع القرار للوصول إلى صفقة قريبة، ورأى آفي كانو، رئيس الأسرى والمفقودين السابق في شعبة الاستخبارات، أن الصفقة لا تقتصر على البُعد الإنساني فقط، بل تتجاوزه نحو بُعد استراتيجي يستدعي استغلاله لتخفيف التوتر.
ويظل وقف إطلاق النار وقضية الأسرى عائقًا يتطلب من الوسطاء بذل الجهود لتقريب وجهات النظر بين الأطراف؛ خاصة مع تقدم المحادثات حول الصفقة، مما يشير إلى إمكانية التقدم في حل قضية المخطوفين، ويفتح الباب أمام وضع خطة للفترة “اليوم التالي” في القطاع والمشهد الفلسطيني بشكل عام، بهدف دحر “حماس” عن الساحة قدر الإمكان.
ويوجه كانو رسالة إلى صانعي القرار، وذلك من واقع تجربته في صفقات الأسرى، بتحديد “الجدول الزمني” لتحقيق الصفقة قبل شهر رمضان في 10 مارس، ويرى أن هذا تحدي كبير، إلا أنه يشير إلى إمكانية التقدم في وضع قوائم السجناء المفرج عنهم والموافقة على الصفقة، مع التأكيد على أن هناك إجراءات قانونية لازمة، بما في ذلك اللجوء إلى المحكمة العليا لمتضرري الإرهاب، هذا الجدول الزمني قد يتيح للجيش الإسرائيلي تنظيم نفسه استعدادًا لوقف نار لفترة تصل إلى ستة أسابيع.
ويرى رئيس الأسرى والمفقودين السابق في شعبة الاستخبارات، فيما يتعلق بالبُعد الاستراتيجي للصفقة، أن أهميتها تكمن في تثبيتها كركيزة أساسية لتخفيف حدة التوتر في المنطقة، وحتى تحقيق تسوية إقليمية تتعدى حدود حرب غزة، مشيرا إلى أهمية استقرار المنطقة قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية لهذا العام وضرورة تهدئة التوتر على الحدود اللبنانية، يظهر هذا السياق أهمية إيجاد حلاً سريعًا وفعّالًا للتوترات الحالية لتجنب تفاقم الوضع الأمني في المنطقة.