تتجدد في الثامن والعشرين من سبتمبر كل عام، ذكرى انتفاضة الأقصى الثانية التي ثارت ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي صباح يوم 28 سبتمبر عام 2000، واستشهد خلالها ما يقرب من 4500 شهيد، وأصيب أكثر من 50 ألفا، وكانت زيارة الصهيوني المجرم “آرائيل شارون”، زعيم المعارضة في حكومة الاحتلال وقتها، إلى باحات المسجد الأقصى المبارك، تحت حماية ثلاثة آلاف عنصر من شرطة الاحتلال والمخابرات وحرس الاحتلال الإسرائيلي، سبب أساسي ورئيسي لغضب الفلسطينيين لتندلع انتفاضة عارمة من الشعب الفلسطيني ضد انتهاكات المحتل الإسرائيلي.
وأسرع ألاف الفلسطينيين نحو المسجد الأقصى داخل الحرم القدسي الشريف، لطرد شارون وقواته، وامتدت الانتفاضة لكل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتكون انتفاضية الفلسطينيين الثانية ضد المستعمر الإسرائيلي، بعد أسبوعين من المفاوضات في منتجع “كامب ديفيد” بدعوة من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، بين الرئيس ياسر عرفات، ورئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود باراك.
وفي عصر الخميس 28 سبتمبر عام 2000، اندلعت انتفاضة مصلين فلسطينيين، ضد شرطة الاحتلال وحرس حدوده وقواته الخاصة، بعدما اقتحمت باحات الأقصى، ودنسته هي وأعضاء حزب الليكود المتطرف وزعيمه أرئيل شارون، وفي اليوم الأول للانتفاضة ضد الاحتلال، أصيب 20 شابا بجروح مختلفة، وفي اليوم الثاني، الجمعة 29 سبتمبر، استشهد 6 فلسطينيين و300 جريح، والشهداء هم: أسامة جدة من القدس، وبلال عفانة من أبو ديس، وحمد فراح من أم الفحم، ويحيى فرج من بيت صفافا، وهيثم عويضة من القدس، أما الشهيد السادس فظل مجهول الهوية حتى اليوم التالي.
وفي اليوم الثالث السبت، 30 سبتمبر، بدأ اضراب شامل وحداد، واتسعت رقعة الانتفاضة لتشمل كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، واستشهد 13 مواطن وأصيب 623، وكان من بين الشهداء الطفل محمد جمال الدرة بعد أن حاصرته النيران الإسرائيلية بين يدي أبيه، وأطلق الاحتلال عليع عشرات الطلقات أمام كاميرات التلفاز، وبات رمزا للانتفاضة الفلسطينية في كل مكان.
وفي اليوم الرابع لانتفاضة الأقصى، الأحد أول أكتوبر، استشهد عشرة فلسطينيي وأصيب 227 آخرين، واستخدم الاحتلال في المروحيات وصواريخ “اللاو” لقتل الفلسطينيين. وخرجت المظاهرات المساندة للفلسطينيين من معظم العواصم والمدن العربية والإسلامية والغربية، حيث شهد بعضها مسيرات مليونية، وبدأت حملات تبرعات ضخمة، وتم تخصيص أيام مفتوحة للتبرع لصالح الانتفاضة، وخرج عشرات الجرحى للعلاج في المستشفيات العربية.
وفي اليوم الرابع، امتدت الانتفاضة إلى أراضي عام 1948، ونفذ الفلسطينيون إضرابا شاملا وقاموا بالاحتجاج والاشتباك مع شرطة الاحتلال الإسرائيلية التي اعتقلت 18 فلسطيني، وقتل الاحتلال عمر أحمد جبارين (21 عاما)، شهيد الانتفاضة الأول من أراضي الـ48، وأصابت سبعة متظاهرين بالرصاص الحي، وأستشهد 13 فلسطيني من داخل أراضي عام 48 خلال مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية في عدد من البلدات والمدن الفلسطينية، في أوسع مشاركة للفلسطينيين بالداخل في التصدي للاحتلال.
وشن الاحتلال هجمات صاروخية بالطائرات العمودية على بعض مقار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويوم 15 أكتوبر، اليوم الثامن عشر للانتفاضة استشهد الشاب رائد حمودة متأثرا بجروحه، مسجلا الرقم 100 في سجل شهداء الانتفاضة، ويوم 27 أكتوبر، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار وسحب القوات الإسرائيلية،وقتل الاحتلال الناشط البارز في حركة “فتح” حسين عبيات، بعد قصف سيارته بالصواريخ في مدينة بيت لحم، لتكون البداية في سلسلة اغتيالات الاحتلال للنشطاء الميدانيين وقادة الفصائل والعمل الوطني، حيث كان أمين سر حركة فتح في مدينة طولكرم ثابت ثابت، الهدف الثاني للاغتيال بعد عبيات، وشملت وتيرة اغتيالات الاحتلال، معظم الفصائل الفلسطينية وقادتها، وأبرزهم: اغتيال الزعيم الروحي لحركة حماس أحمد ياسين، وخلفه عبد العزيز الرنتيسي، إضافة الى اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، ومئات النشطاء البارزين من مختلف التنظيمات.
وفي 18 مايو 2001، دخلت طائرات الـ(اف 16) المقاتلة معترك الانتفاضة، وقصفت مقرات للشرطة الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد عشرة مواطنين، وبعد الانتفاضة اجتاح الاحتلال عام 2002، الضفة الغربية في عملية “السور الواقي”، وبدأت دبابات الاحتلال بدخول مدينة رام الله في 29-3-2002، ومحاصرة مقر الشهيد الراحل عرفات، وإبعاد المقاتلين الذين تحصنوا داخلها إلى غزة والأردن ودول أوروبية، وأعادت فيها إسرائيل اجتياح جميع مدن الضفة الغربية.
وفي ساعات فجر يوم الأحد 31/3/2002، جرى اجتياح مدينة قلقيلية، ومدينة طولكرم، وبيت لحم، وسلفيت وجنين ونابلس، وارتكب الاحتلال خلال الاجتياحات العديد من المجازر بحق المدنيين، أبرزها: مجزرة مخيم جنين، الذي صمد لأكثر من أسبوعين في وجه آلة القتل والخراب الإسرائيلية، ودمر الاحتلال البنى التحتية وقطع أوصال المدن والمناطق الجغرافية بالحواجز والسواتر الترابية، التي زاد عددها عن 600 حاجز، ووصلت أعداد الشهداء إلى المئات والجرحى إلى الآلاف، ودمرت مئات المنازل والمنشآت والمركبات.
وبعد الانتفاضة، قام الاحتلال ببناء جدار الفصل والتوسع العنصري، الذي يبلغ طوله 728 كم، ويلتهم 23% من أراضي الضفة الغربية، خاصة في مناطق جنين وقلقيلية وسلفيت والقدس، ويفصل 36 قرية “72000” مواطن عن أراضيهم الزراعية، ويقسم الضفة الغربية الى مناطق منفصلة، وضم 11 قرية فلسطينية “26 ألف نسمة” الى أراضي الـ48، إضافة إلى حرمان الفلسطينيين من 50 بئر مياه جوفي، توفر 7 ملايين متر مكعب من المياه، تقع ضمن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها.