وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى
ذَرعاً وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها
فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
“الشافعي”
لكلمات الشافعي السابقة حظوة وافرة هذه الأيام، ككل الأيام الغابرة؛ فما نعيشه اليوم والشهور القادمة من ضيق وما سينتج عنه من عنف و اضطرابات، سيفضي لا محالة لتغيير سياسي نتمنى ونسعى أن يكون محمود الأثر والعواقب.
فى فضاء عام يفتقر إلى الحرية والصدق والتجرد ستعاني البلاد والعباد؛ فنجد الضرورة المُلِّحة لإعادة الأسئلة التي نخشى من إجاباتها الحقيقية، ونتيجة لتفشي الجهل السياسي والتنظيمي مقابل السلبية والإذعان وانتشار الخرافات والاتكالية، مقابل التفكير العلمي والعملي؛ سوف نتصارع فكريًا وسط المجهول الاقتصادي والسياسي حول رؤى دينية بحتة ليس لها جدوى في إدارة شئون البلاد.
لذلك أجد أنه من الواجب على كل المتفاعلين والمتابعين للشأن العام، الإعلان بقوة أنه لا مناص من دولة علمانية مدنية حديثة، لا مجال فيها للقهر وتكميم الأفواه.
بدايةً أود الإشارة بالتأكيد على ما هو معلوم بالضرورة، أو بخطاب آخر دعنا نتفق اصطلاحًا على الحدود الفاصلة بين العام وغيره؛ فنعرف العام هنا أنه كل فكر وقول وفعل يؤثر فيما هو مشترك بين أكثر من شخص، ويؤثر حاليًا أو مستقبلًا على حقوق الآخر فردًا كان أو جماعة، وفى تقديري كل ما هو عام خاضع للرأي والمساهمة والمسائلة، للنقد والنقض الموضوعيين، يتفاعل معه الجميع بالتأييد والمباركة، أو بالمجابهة والمعارضة، مع ضمانة حرية الرأي والتعبير، دون حدود لمكان وزمان.
وأرى أن طريقة التعبير عن هذا الرأي بحسب ما تقره المادة ١٩ من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، وبقول صريح لا أنكر على أحد تقديسه لأي شخص أو فكر أو معتقد فى غير مساحة العام التي تم توضيحها سابقًا، وتوافُقنا على ما ورد يمثل الحد الأدنى للتعايش السلمي ومن ثم المواطنة، وهي إطار يستوعب الجميع، إذ بذلك يُحافَظ على حقوق الأقلية والأكثرية في نطاق مفهوم المواطنة الجامعة.
والمواطنة هي المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الصبغات الدينية أو المذهبية أو القبلية أو العرقية أو الجنسية، فكل مواطن له جميع الحقوق وعليه جميع الواجبات، كما أن المواطنة الحقيقية لا تتجاهل حقائق التركيبة الثقافية والاجتماعية والسياسية في الوطن.
ففى الأفق القريب -دون التبحر في تقييم إدارة الشأن الاقتصادي- تلوح فتنة تضرب نسيج الدولة الوطنية، وحروب أفخاخ الازدراء على مواقع التواصل الاجتماعي ليست بعيدة، وما أخشاه أن يتطور القول إلي فعلٍ ودمار؛ لذلك أجد الضرورة المُلحة لتمكين المجتمع المدني؛ لمجابهة هذا الدمار؛ والتحول السريع لمجتمع تعددي منفتح، تتاح للتيارات الفكرية والثقافية المستنيرة الوسائط الإعلامية للنفاذ للجماهير لوئد الفتنة فى أسرع وقت؛ لتنشر الثقافة والفن؛ لتهذيب النفوس التي ضاقت بها السبل للتطلع إلي مستقبل أفضل تستحقه، فربما يخفف هذا من حدة الضائقة.
“يا مصر قومي وشدي الحيل”