تحليل سياسي يكتبه: عمرو بدر
ظني أن أخطر تصريح سياسي صدر خلال الفترة الأخيرة كان حديث النائب والصحفي مصطفى بكري عن “احتمالية” خوض مرشح “قوي” لانتخابات الرئاسة المقبلة.
خطورة التصريح تأتي من كونه يرسم تصورات شبه واضحة عن شكل الانتخابات الرئاسية، وإمكانية أن تكون تنافسية وتعددية، فضلًا عن المشاركين فيها وضمانات نزاهتها.
الملفت في تصريح “بكري” كان في المقارنة “العابرة” التي عقدها بين مصر وتركيا- وغيرها من الدول-، وكلنا نعرف أن الانتخابات التركية كانت حرة وتنافسية بما يشير إلى أن هناك حوارات “رسمية” تجري في مصر حول ضرورة خروج الانتخابات المقبلة بشكل مرضي، وألا تتكرر تجربة انتخابات ٢٠١٨، إذا صح تسميتها بهذا الاسم أصلًا، وأن هناك في مصر من يرى أن المقارنة بيننا وبين تركيا لا يصح أبدًا أن تنتقص من مصر وتظهرها في صورة البلد الذي يجري انتخابات غير حرة ولا ديمقراطية بل أشبه بالاستفتاء على شخص الرئيس.
المؤكد أن هناك ضغوطًا تمارسها القوى السياسية في مصر من أجل الحصول على ضمانات لنزاهة الانتخابات الرئاسية، كل هذه الضمانات تتعلق بحياد أجهزة ومؤسسات الدولة، ووجود مساحات متساوية لجميع المرشحين في وسائل الإعلام، والإشراف المحلي والدولي على الانتخابات وغيرها من ضمانات الجدية والحياد، وظني أن مرشحًا “قويًا” وصاحب شعبية كبيرة كما أشار “بكري” لا يمكن أن يقبل بأقل من تلك الضمانات التي تجعلها انتخابات جادة وحقيقية.
أما السؤال الأهم فيبقى عن اسم المرشح القوي وصاحب الشعبية والذي سيكمل المشهد الانتخابي كما ألمح بكري الذي توقع ظهوره قريبًا.
وبداية ظني أن هذا المرشح “القوي” سيكون مرشحًا مدنيًا، فقد جرت العادة خلال السنوات الماضية على عدم السماح بوجود مرشح صاحب خلفية عسكرية في مواجهة الرئيس السيسي، وتعتقد السلطة الحالية أن مواجهة بهذا الشكل تمثل تهديدًا للأمن القومي والاستقرار.
بهذا المعنى فإن المرشح المنتظر سيكون مدنيًا، فمن هو يا ترى؟
الأخبار المتواترة تردد اسمين فقط هما الأقرب لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة: عمرو موسى وحسام بدراوي!
“موسى” صاحب تاريخ سياسي، ووزير خارجية مصر في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك، والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، وخاض تجربة الانتخابات الرئاسية من قبل في العام ٢٠١٢، وحصل على أكثر من مليوني صوت في أول انتخابات تعددية بعد ثورة ٢٥ يناير، وتتواتر الأنباء عن حوارات تجريها معه قوى سياسية مصرية من أجل خوض الانتخابات المقبلة، وربما يأتي تلميح “بكري” عن المرشح القوي على خلفية معلومات حول “حوارات” تتم مع موسى حول خوضه الانتخابات.
لكن الأخبار المتواترة أيضًا تشير إلى أن وزير الخارجية الأسبق لم يحسم موقفه، وأن ضمانات جدية ونزاهة الانتخابات هم العوامل التي يمكن أن تدفعه لاتخاذ القرار النهائي بالمشاركة فيها، فحسب المعلومات فإن موسى يرى أن تاريخه لا يسمح له بخوض انتخابات بدون ضمان جديتها ونزاهتها، فلا يمكن أن يشارك فيما يشبه “المسرحية” أو أن يقوم بدور مرسوم يخالف تاريخه وقناعاته.
أما حسام بدراوي فهو الاسم الثاني المطروح، وربما يكون هو المرشح “القوي” الذي تحدث عنه النائب مصطفى بكري، وبدراوي هو آخر أمين عام للحزب الوطني، تولى منصب الأمين العام للحزب وقت ثورة يناير، ويعرف عنه أنه أحد الأصوات “الليبرالية” وكان يصفه أعضاء “الوطني” قبل الثورة “بالصوت الإصلاحي”.
خلال الفترة الأخيرة نُشرت تقارير صحفية تشير لإمكانية خوض “بدراوي” لانتخابات الرئاسة المقبلة، وقتها نفى الرجل الأخبار المنتشرة، لكنه في نفس الوقت لم يغلق الباب نهائيًا حول إمكانية مشاركته في الانتخابات، فوضع ما يشبه “الشروط” التي تضمن نزاهة الانتخابات، فضلًا عن حرية الحركة للمرشحين وأنصارهم بعيدًا عن أي ملاحقات أو تضييق، فلن يشارك الرجل في انتخابات محسومة سلفًا أو يعرف الجميع نتائجها قبل أن تبدأ.
الأنباء تواترت بعد ذلك عن اتصالات تجريها قوى سياسية وجهات “رسمية” حول خوض بدراوي للانتخابات، ولكنها لم تسفر عن جديد حتى الآن، فلم يعلن قراره بخوض الانتخابات انتظارًا لما سيظهر من ضمانات النزاهة والجدية والحياد.
موسى وبدراوي اللذان نالت كلماتهم في الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني إعجاب الناس، وأشاد الكثيرون بوصفها الدقيق للأحوال السياسية والاقتصادية في مصر هم الأقرب، في تقديري، لحديث بكري عن المرشح صاحب الشعبية الذي سيكمل المشهد، ويبقى فقط أن تحظى الانتخابات بضمانات تحولها إلى عملية جادة وتنافسية وحرة، وهو ما يليق بمصر وما يستحقه شعبها، ولتحسم إرادة الشعب بعد ذلك من يحكم مصر ممن سيطرحون أنفسهم، وعلينا جميعًا وقتها احترام إرادة الناس مهما كانت النتيجة.