لم يُضبط متلبسًا في مشهد خارج، ولم يكن يومًا ممثلًا ثقيل الظل، بل كان حاضر الذهن والبديهة، خفيف الظل والروح. لم يُضبط إلا رجلًا يأتي من الأفعال أرقاها، ومن المواقف أشرفها.
لم يكن إلا إنسانًا، مخلصًا لإنسانيته وعروبته -إن جاز إقحام العروبة في الموضوع- وفي الحقيقة، نراه أصدق الرجال، وأشجعهم، وأكثرهم قربًا للمواقف الوطنية الحقيقية.
لم يحاربه سوى أشخاص محسوبين على الرجولة بالاسم وصورة البطاقة فقط، بينما مواقفهم أبعد ما تكون عن الدين، والرجولة، والإنسانية.
محمد سلام لا يشبه أحدًا في نقائه ونظافته، ورُقيّ أعماله التلفزيونية والسينمائية والمسرحية. لم يرتكب جرمًا يعاقب عليه بالنفي أو الاستبعاد من عالم الفن، الذي يعج بكل ما هو عفن، وبالموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكلها الكلاب.
كان سلام وسط عالم الفن، ومعه قلة من الفنانين المحترمين، كالزهرة النابتة وسط أكوام الزبالة، لا عمل لها سوى إسعاد الناظرين إليها، وتخفيف جرعة القبح من حولها.
محمد سلام فنان مكتمل الموهبة في كل أدواره، يتلبس الشخصية بحب، ودون تكلف أو تصنّع، وبلا حواجز بينه وبينها؛ وكأنه هو الشخصية التي يؤديها تمامًا.
سلام كان وما زال محبوبًا من مشاهديه، وحتى زملائه، الذين حرصوا على إشراكه معهم في كل أعمالهم، لعلمهم بحضوره وتميزه، ومنحه العمل قوة إضافية ومتعة فنية لا يقدمها سوى محمد سلام وقلة يشبهونه. لكن جميع الرفاق خانوه الآن، رغبة في كسب ود الكفيل محدث الفن.
جرت الرياح بما لا يشتهي الشرفاء، واعتلى الكلاب منصة الأسود، فصاروا يستبعدون الأبطال الحقيقيين، والرجال أصحاب المواقف، لا لشيء سوى أنهم قالوا “لا” في وجه من قالوا “نعم”، ولعقوا الأحذية، ومسحوا البلاط، و”ريالة” أصحاب الريالات.
نأمل ألا تطول هذه الفترة التي لا ملامح لها، سوى الانسحاب من الساحة التي كنا فيها سادة، وكانت تعد من قوانا الناعمة، لنجدها الآن يتحكم فيها أصحاب البترودولار، فيقرّبون من يسبح بحمدهم، ويستبعدون من يظهر مواقف رجولية وبطولية لا تتماشى معهم فكرًا وتكوينًا.
نأمل أن نرى سلام قريبًا على الشاشات، فمثله يستحق أن يكون في مقدمة الصفوف. نحن أحوج ما نكون إلى أصحاب المواقف الحقيقية، وليس إلى بهلوانات يتبعون كل ناعق أو ناهق.