تلك ليست دعوة إلي حرب ، يعرف كاتب هذه السطور مخاطرها وآلمها ، لأنه حارب بالفعل ، وعرف ..
بل إنها قراءة تتفهم وجود محددات لا يمكن إغفالها عند التحرك في هذا الإتجاه ، وربما لذلك تقدر السلوك الرسمي المصري الرصين حتي الآن في تناول هذا الموضوع الحساس .
ولكن لا يمكن أن تترك الساحة بالكامل لأولئك الإنهزاميبن ، الذين سبق أن رددوا علينا ونحن في الجبهة تلاوات ” الصبر الإستراتيجي ” ، واستحالة العبور ..الذين لو استمعنا إليهم ، وصدقنا ” حكمتهم ” و” فهمهم الإسطراطيجي ” ، لكان الصهاينة حاليا علي ضفاف النيل .
من أرضية ” أكتوبر العبور ” اخاطب هؤلاء ، الذين سوف تجدهم يطلون عليك من كل زمان ، ومن كل مكان ، ساخرين من قيم الوطنية والشجاعة والدفاع عن تراب الوطن …
سوف تجدهم يخوفونك من عفاريت تختبئ خلف كل أكمة ، وخفافيش تتعلق برأسك وتمتص دمك ، وأثقال لن يتحملها منكبيك …
سوف ينذرونك بالويل والثبور وعظائم الأمور ، إذا قاومت من اغتصب ارضك أو عرضك ، أو حتي لو فكرت أو حلمت بإمكانية النصر ..
سيذكروك بعبد الناصر ليلة التاسع من يونيو 1967، والسادات صباح السابع عشر من أكتوبر 1973 ، بل وقد يغوصون عميقاً ، كي ينتزعوا صورة احمد عرابي ذليلا في محبسه وخدم الخديو يبصقون عليه ..
سيقولون بحكمة طاغية :” دع المقادير تجري في أعنّتها ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ ، ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حالِ “..
وبدلا من خنفس واحد زمن هوجة عرابي ، ستجد ألف والف خنفس وصرصور يُبلغ عنك إذا بدا أنك ذا مرؤة أو كرامة ، أو تتعاطي حب الوطن ..
وتجدهم في كل صباح يرتلون سيرة انهزام صدام ، ومقتلة القذافي ، وعبقرية الصهاينة التي لا قبل لنا بها ..
سيعزفون مواييل نعمة الراحة والإستقرار بعيداً عن الأذي ووجع القلب ، سيقولون مالنا نحن ومال العرب ، ” هما شعب ،واحنا شعب ” ، وسيعزفون اغنية شعبان عبد الرحيم ” التي يكره فيها إسرائيل ” ، وكفي الله المؤمنين شر القتال .
ولكن لن تجد أحدا منهم يشرح لك لماذا أو كيف سيحترم نتنياهو أو أمثاله أي إتفاق مبرم ،بما في ذلك معاهدة السلام مع مصر أو الاردن ؟..
إذ يكفي ملاحظة انتهاك هذه العصابة الحاكمة في تل أبيب لكل التزاماتهم وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني .
أن ذلك الكيان ، هو عضو دولي مارق ، ويجب معاملته علي هذا الأساس .
لقد ظل ستالين حتي اللحظات الأخيرة لإختراق القوات النازية لحدود الإتحاد السوفييتي يراهن علي الإتفاقات التي أبرمها مع هتلر ، في حين كان الأخير قد أعد قبل شهور خطة ” بارباروسا ” لغزو وتدمير الإتحاد السوفييتي.
ورغم كل الشواهد والدلائل التي تجمعت في تلك اللحظات التاريخية الحاسمة ، اختارت القيادة السوفييتية أن تري ما ترغب أن تراه ، وليس حقيقة ما تراه .. وتلك كانت ، وظلت ، وسوف تظل آفة الحكم الفردي التي يضيق فيها مفهوم الأمن القومي لكي يصبح محصورا في عقل وفكر فرد واحد ، أو مجموعة صغيرة من الأشخاص تفكر بشكل أحادي .
أن الشواهد والدلائل متواترة علي أن الكيان الصهيوني يخطط منذ سنوات لإخلاء الضفة الغربية وغزة وخلق ” وطن بديل ” في الاردن ، وكذا إعادة إحتلال ” وضم ” شبه جزيرة سيناء لأسباب بعضها يتعلق بنظرية الأمن القومي للكيان ، ولكنها مغموسة – كالعادة – في أضاليل تتعلق بنصوص مقدسة مزعومة .
وسيكون قدرنا أن نواجه هذه الحقيقة ذات يوم ، وربما كان هذا اليوم قريبا دون أن ننتبه ، لذا فمن الضروري أن نستعد لهذا الإحتمال الذي يقترب من موقف قائم ومتكامل للعدو الصهيوني .
ولا أظن أنني مغرق في التشاؤم ، أو في مجرد الإفتراضات النظرية غير المؤسسة ، ومع ذلك ، حتي ولو كنت واقعاً تحت هذا التأثير ، فأظن من حسن الفطن أن نستعد لإحتمال تكرر في التاريخ عدة مرات ، وخاصة في مواجهة قوة باطشة تمتلئ بالغرور والتعصب .
لقد نشرت وكالة تاس الرسمية في زمن ستالين ، وقبل الهجوم النازي بأسبوع واحد بياناً تشيد فيه بالعلاقات الألمانية السوفييتية ، وبتطور العلاقات الإقتصادية … واتهمت فيه السفير البريطاني في موسكو بمحاولة نشر إشاعات حول مزاعم بحشد ألمانيا قواتها علي حدود الإتحاد السوفييتي كي تهاجمه .
لقد رأي الروس وسمعوا كل شئ قبل أن تبدأ المذبحة النازية ، ولكنهم اختاروا أن يستجيبوا لرغباتهم وآمالهم في السلام ، وثقتهم في وثائق تم إبرامها مع من ثبت أنه لا يحترم أي اتفاق .
والعصابة الصهيونية لا تختلف عن العصابة النازية ، بل ربما الأولي أسوأ ، لذا ربما يكون من الحكمة أن نغلق أفواه الإنهزاميين ، ونذكرهم أن التعامل مع الظاهرة الصهيونية يتطلب الحذر والأستعداد لما هو أسوأ ، حتي لا يقول أحفادنا ذات يوم :” لقد أُكلنا يوم أن صمتنا علي أكل مفهوم المقاومة .. أكلنا يوم أكل الثور الابيض، وشاركنا في التهامه”