أولا وقبل كل شئ ، يجدر أن نؤكد أن لا أحد يملك حق المزايدة أو حتي المعاتبة لمن حمل السلاح وقدم التضحيات، أو كما فعل البعض ساخرا من حزب الله ” الذي تخلي عن غزة ” علي حد قولهم ، فذلك عار علي القائل القاعد الذي يكتفي بمعايرة المقاتلين بما أصابهم من أذي .
ثانيا لا يمكن التغاضي عن حاجة حزب الله لإستراحة مقاتل بعد ضربات موجعة فقد فيها صفوف قياداته الأولي السياسية والميدانية ، وعلي رأسهم أمير الشهداء سماحة السيد حسن نصر الله .
ثالثا من المهم أيضا إدراك الوضع الحرج للدولة اللبنانية حتي قبل بدء هذه الحرب ، وما بدأ يهتز في البنية السياسية نتيجة للحرب وما رآه البعض في الداخل من استئثار حزب الله بقرار الحرب والسلام دون تشاور حقيقي مع باقي مفردات الحالة اللبنانية.
رابعا : أن مفهوم ” المقاومة ” لم يجد رافعة أو حتي مجرد ” حاضنة ” رسمية في الإقليم سوي من إيران ، إلا أنها رافعة لها حساباتها ، ولا يبدو انها مستعدة لمزيد من التضحية بأمنها القومي ، في ظل وضع إقليمي يبدو رافضا لهذا المفهوم ، بل وقد يصل إلي حد الوقوف ضده .
ورغم كل ما تقدم ، فأن هناك الكثير مما يقال حول ” إتفاق” وقف إطلاق النار الأخير في لبنان ..
في البداية لاحظت ما تضمنه الإتفاق حول المدي الزمني (شهرين ) لإتمام انسحاب الصهاينة من جنوب لبنان ، المشروط بتمام سحب إمكانيات حزب الله شمال الليطاني…”شهران ” تعني المدة الزمنية التي سيبدأ بعدها ترامب فترته الرئاسية ..وذلك أمر مريب .
وكلما أمعنت في قراءة الإتفاق الأخير بين حزب الله والعصابة الصهيونية ، تأكدت أنه مثل حقل ألغام عشوائي يمكن أن ينفجر في أي لحظة ، أو أنه يشبه عقد أول بنوده تنص علي فسخه.
وربما قال قائل أن حزب الله سبق له ووافق علي قرار مجلس الأمن 1701 الذي يدور حوله الإتفاق الجديد ، والحقيقة أن الإتفاق الجديد يشتمل بالفعل علي 1701 ، ولكنه يضيف شروط ( ترجمتها بالإنجليزية ادق qualifications) ، تتيح لإسرائيل بعد شهرين ( أي مع تولي ترامب بالضبط ) أن تتذرع بأي شئ للتحلل من الإتفاق ( بعد تنظيف الجنوب حتي نهر الليطاني ) .
وقد يُرد علي ذلك بأنه يمكن لحزب الله بدوره الرد ومخالفه الاتفاق.
وهذا صحيح .. لكن هذا إفتراض نظري .. الواقع أن إسرائيل كانت في حاجة لهدنة علي الجبهة اللبنانية ، مع إخلاء غير مكلف لها لما تبقي من وجود لحزب الله جنوب الليطاني ، بما يتيح تثبيت الأوضاع في غزة ..إلخ .
والأهم أنه يبقي ان العقيدة العسكرية الصهيونية لا تهدأ إلا بإستعادة الهيبة والردع ، ولعل ذلك ما أكده وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش الذي ذكر صراحة أن إسرائيل لن تحترم هذا الإتفاق ( الذي لم تجف بعد الحروف التي كتب بها ) ، كما أن هناك معركة مؤجلة مع إيران هي في جوهرها صراع علي النفوذ في المستقبل ، وربما توطئة لضربات ساحقة مؤيدة من ترامب لإزالة الخطر النووي الإيراني قبل أن يستحيل مواجهته.
الخلاصة أن الكيان الصهيوني الذي اصيب بالفعل إصابة إستراتيجية مميتة علي مدي الشهور السابقة ، في حاجة لإلتقاط الأنفاس علي الجبهة الشمالية تسمح بتأمين عودة سكان الشمال بعد إبعاد خطر حزب الله إلي ما وراء الليطاني دون قتال ، تمهيدا لتنفيذ باقي مخططاته الشيطانية في المنطقة بما في ذلك التهجير القسري و “الطوعي ” بمباركة ترامب وربما بتمويل عربي !.