مساء الجمعة 9 يونيو 1967 ، كان كل الجيش المصري حطاماً متناثراً فوق رمال سيناء ، التي تلونت بدماء الآلاف من شباب مصر ، عندما ظهر وجه عبد الناصر كابيا حزينا علي شاشة التلفزيون ” تيليمصر ” ، الذي كانت امي توليه عناية خاصة ، ويتوسط غرفة المعيشة .
القي ناصر بيان الهزيمة : ” انتهي الحلم الجميل ” ، هكذا كتب الصبي في دفتره وهو يحبس دموعه ، قبل أن ينزع صورة عبد الناصر من علي جدار غرفته ، ويقفز بها مندفعا إلي خارج المنزل ، دون أن يعبأ بذراعي أبيه التي امتدت لتحجزه خوفا عليه بعد أن تصاعدت أصوات قذائف مدفعية الدفاع الجوي بكثافة في سماء القاهرة ..
انتبه الصبي فجأة إلي أن الحياة تصدمه بواقع خشن قبيح يصرخ في وجهه أن يستسلم ، أو يترك ناصر معلقا في مشنقة في ميدان التحرير ، وإن تتواضع مصر وتكف عن إدعاء زعامة العرب والأفارقة والآسيويين ، وحتي سكان أمريكا اللاتينية المغلوبين علي أمرهم …باختصار أن تعود مصر إلي قوقعتها التاريخية مرة أخري ..
انتفض الصبي فجأة وهو يشهق فائلاً بأعلي صوت :” ها نحارب ..ها نحارب ” ، ” ناصر .. ناصر ” ، وتدريجيا كانت الشوارع من حوله تزدحم بمئات الألوف ، وهي تهتف نفس الهتاف ، حتي وصل إلي ميدان التحرير ..
لقد صدر قرار العبور في الميدان نفس الليلة ..
ونطق به السادات بعد ست سنوات .