يخرج البعض مطالباً بطرد السودانيين من مصر ، أو غيرهم ممن اختاروا العيش معنا.
هذا البعض لا يعلم أن السودان كانت جزءاً من مصر ، مثلما كانت مصر جزء منه ، اختلط الدم والنسب ، العادات والتقاليد ، الألم والفرح ..
استضافت السودان أبناء مصر من طلبة الكلية الحربية بعد النكسة ، وأحاطتهم بكل الرعاية حتي تحميهم من غدر الصهاينة ، وعاد هؤلاء الطلبة كي يحاربوا وينتصروا ، وكان معهم بعض القوات السودانية .
الذين يتأففون من أبناء غزة الذين جاءوا إلي مصر للعلاج أو العلم ، لا يعرفون أن غزة كانت وديعة تحت الإدارة المصرية بعد نكبة فلسطين ، وضاعت الوديعة بعد النكسة ، ولم يهتم أحد في كامب ديفيد أن يثير مسؤوليتنا القانونية والأخلاقية والسياسية في هذا الموضوع ..
غزة هي خط الدفاع الأول عن الأمن القومي المصري ، منذ فجر التاريخ ، ولا تزال رمالها تحمل بين طياتها أنهار دماء سالت ، من المستحيل فرزها عرقيا ..
الذين يضيقون بنجاح بعض رجال الأعمال السوريين ، لا يعلمون أن سوريا كانت مع مصر عبر التاريخ سيفاً ودرعاً ، وكانت الإقليم الشمالي لوطن واحد متوحد ، وأنها حاربت معنا بشرف وبسالة في معركة العبور ، واختلطت الدم المصري والسوري عبر التاريخ في منعطفاته المتعددة .
الذين يرفضون تواجد بعض الأسر العراقية فيما بيننا ، لا يعلمون الأواصر الثقافية والسياسية والأمنية التي تجمعنا بالعراق ، ويتغافلون عن حقيقة أن أكثر من 2 مليون عامل مصري ، عاشوا ، وتزوجوا ، واستقروا في ارض الرافدين لسنوات عديدة .
أمر طيب أن يكون المصري مصرياً، ولكنه كي يكون كذلك يجب أن يعرف أصوله وجذوره ، وينقب عن أساس ثقافته وتاريخه ، والأهم من كل ذلك هو منزلة بلاده في هذا الإقليم ، ومتطلبات أمنه القومي ..
مصر علي مر الزمن كانت ، ولازالت ، وستظل ، البوتقة التي انصهرت فيها شعوب المنطقة ، كي تكون مجتمعا نسيج وحده ، يحمل كل خصائص الثقافة العربية ، وتمتد جذوره في عمق التاريخ الفرعوني ، ويسكن في بيته الإفريقي ، ماداً ذراعيه إلي آسيا في سيناء ، وملوحاً لكل حضارات البحر المتوسط عبر أمواج الزمن المتلاطمة .
مصر هي الدور الحيوي ، حتي في عصور الإضمحلال ، وهي ضالة الغريب والقريب ، وديوان العرب ، والزعيم الذي يلتمسه الإقليم حين تدلهم الخطوب ، ويفتقد الحادي والدليل .
أقرأ وأسمع بألم ما يتردد من البعض بعصبية شعوبية وجهالة وضيق أفق ، وأري أنهم مرضي يحتاجون علاجا نفسيا وإجتماعيا وثقافيا ..أنهم أيضا ضحايا أفكار مسممة يبثها إعلام جاهل ، رضي بجهله ، ورضي عنه جهله .