مقال “حائط المبكي العربي ” . نشرته في مايو 2001 .. أي قبل 23 عاما …، وعندما أعدت قراءته اليوم ، شعرت كأنني كتبته أمس فقط !!..
قلت في ذلك المقال :
” قال الرئيس جورج بوش: (إن الولايات المتحدة لا تستطيع بنفسها أن تقيم السلام في الشرق الأوسط)..
وكان ذلك تصريحا مدهشا ومثيرا للقلق لدى أوساط عديدة، وخاصة لدى معتنقي نظرية (السلام خيار إستراتيجي)، وكذلك أولئك المؤمنين بأن أمريكا تمتلك 99% من أوراق اللعبة أو أكثر..
ومع تصرفات شارون في الأراضي الفلسطينية، يصبح الموقف شديد الخطورة، لأن ذلك يعني باختصار إطلاق يد إسرائيل في المنطقة لتعبث فيها كيفما يحلو لها.
لقد طلب الرئيس بوش من عرفات أن يوقف العنف، ورجا في نفس الوقت الإسرائيليين أن يمارسوا ضبط النفس في الرد، ووصفت بعض الأوساط ذلك بأنه موقف متوازن للإدارة الأمريكية، وهو بلا شك كذلك، لأن الطفل الذي يحمل حجرا أشد خطرا على السلام من الطائرة التي تقصف منازل المدنين الآمنين.
ومن ناحية أخرى صرح وزير الدولة الإسرائيلي تزاحي هانجبي في تعليق له على القصف الإسرائيلي الجوي الذي اشتمل على منزل الرئيس ياسر عرفات: (إنه الطلقة الأولى في معركة طويلة للغاية)، وفي استقصاء للرأي داخل إسرائيل إتضح أن أغلبية المواطنين الإسرائيليين يطالبون بما هو أكثر من ذلك من إجراءات عنيفة تجاه الفلسطينيين.
وفي الخليل أعلنت أسرة إسرائيلية تقيم في مستعمرة بالخليل أنها لن تقوم بدفن طفلة حتى يقوم شارون بإزالة جيرانهم العرب الذين تتهمهم بأن الرصاصة القاتلة قد أتت من ناحيتهم، ولم تقبل الأسرة رجاء رئيس الوزراء بأن يستكملوا عملية الدفن.”
وفي مقال بصحيفة الهيرالد تريبيون الصادرة يوم 30 مارس 2001 تحت عنوان (الروح العدائية العربية )، كتبت في المرة الأخيرة التي عقدت فيها الجامعة العربية إجتماع قمة كان ذلك منذ ما يزيد على عشرة أعوام مضت، وكان إنعكاسا للإنقسام المرير الذي تسبب فيه غزو العراق للكويت. وبالنظر إلى اللهجة العنيفة والغاضبة ضد إسرائيل في اجتماع الأسبوع الماضي في عمان الأردن، فقد كان من الأفضل للزعماء العرب أن يؤجلوا اجتماعهم ليتمكنوا من إيجاد طريق أكثر إعتدالا. أن ما يمكن استخلاصة من الاجتماع هو أن العديد من الحكام الذين ورثوا الحكم والمدنيين الأوتوقراطيين، بدوا متمسكين بأحقاد الماضي، بينما هم مهددون بأن تفوتهم الفرص الاقتصادية والإتجاهات الديمقراطية للقرن الواحد والعشرين.
وتستطرد الصحيفة الأمريكية قائلة: (من المؤسف أن الزعماء في عمان بدوا غير مهتمين بتصاعد العنف في إسرائيل والضفة الغربية وغزة، والتي اشتملت على إطلاق رصاص قناصة قتلت طفلة يهودية عمرها 10 شهور في الخليل، وهجمات القنابل القاتلة في القدس ووسط إسرائيل .
أن حكومة رئيس الوزراء ارييل شارون قامت بشن هجمات ضد قواعد ومعسكرات تدريب قوات ا لأمن الفلسطينية في غزة ورام الله، التي قالت عنها إسرائيل بأن لها علاقة بالهجمات التي حدثت مؤخرا. وتقول الصحيفة (لقد كان من المفترض ان اجتماع هذا الاسبوع سوف يصلح الخلاف الدبلوماسي بين العراق والكويت، ويقدم مساعدات اقتصادية للفلسطينيين، ولكن النتائج جاءت مخيبة للآمال بشكل معتاد، لقد فشلت 22 دولة من الدول الأعضاء في التوصل إلى إتفاق بشأن العراق، ولم يتم التوصل سوى إلى تقديم مساعدة ضئيلة للفلسطينيين لا تزيد عن الإتفاق على تزويد السلطة الفلسطينية بشكل مؤقت بـ 40 مليون دولار شهريا لمعادلة الضرائب التي تحتجزها إسرائيل، بما يتيح دفع المرتبات الحكومية.
وبدلا من ذلك فإن زعماء سوريا والعراق قاما بتوجيه إنتقادات لاذعة ضد إسرائيل.
وقالت الصحيفة: خلال الحقبة السابقة، حدثت إصلاحات اقتصادية وسياسية ملحوظة ساعدت في تحسين أحوال المعيشة في وسط أوروبا وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية، بينما ظل العالم العربي بسكانه الذين يبلغ عددهم 300 مليون نسمة تقريبا عن ذلك، ومنذ سنوات قليلة مضت كان هناك أمل أن الجيل الجديد من الزعماء العرب سوف يقود الطريق من أجل سياسات خارجية أقل تصلبا، وأكثر انفتاحا للأسواق وتوسعا في الديمقراطية، ولكن واحد فقط من الحكام الجدد التزام بوعده وهو الملك عبدالله ملك الأردن .
أن ما يمكن استخلاصة من الاجتماع هو أن العديد من الحكام الذين ورثوا الحكم والمدنيين الأوتوقراطيين، بدوا متمسكين بأحقاد الماضي، بينما هم مهددون بأن تفوتهم الفرص الاقتصادية والإتجاهات الديمقراطية للقرن الواحد والعشرين. وتستطرد الصحيفة الأمريكية قائلة: (من المؤسف أن الزعماء في عمان بدوا غير مهتمين بتصاعد العنف في إسرائيل والضفة الغربية وغزة، والتي اشتملت على إطلاق رصاص قناصة قتلت طفلة يهودية عمرها 10 شهور في الخليل، وهجمات القنابل القاتلة في القدس ووسط إسرائيل .
أن حكومة رئيس الوزراء ارييل شارون قامت بشن هجمات ضد قواعد ومعسكرات تدريب قوات ا لأمن الفلسطينية في غزة ورام الله، التي قالت عنها إسرائيل بأن لها علاقة بالهجمات التي حدثت مؤخرا. وتقول الصحيفة (لقد كان من المفترض ان اجتماع هذا الاسبوع سوف يصلح الخلاف الدبلوماسي بين العراق والكويت، ويقدم مساعدات اقتصادية للفلسطينيين، ولكن النتائج جاءت مخيبة للآمال بشكل معتاد، لقد فشلت 22 دولة من الدول الأعضاء في التوصل إلى إتفاق بشأن العراق، ولم يتم التوصل سوى إلى تقديم مساعدة ضئيلة للفلسطينيين لا تزيد عن الإتفاق على تزويد السلطة الفلسطينية بشكل مؤقت بـ 40 مليون دولار شهريا لمعادلة الضرائب التي تحتجزها إسرائيل، بما يتيح دفع المرتبات الحكومية. وبدلا من ذلك فإن زعماء سوريا والعراق قاما بتوجيه إنتقادات لاذعة ضد إسرائيل.
ومن بين أهم الاحباطات في هؤلاء الزعماء الجدد كان الرئيس السوري بشار الأسد، فبينما قام ببعض التحرير الاقتصادي، فإنه متصلب تماما كأبيه تجاه إسرائيل، وفي عمان قام بوصف المجتمع الإسرائيلي بأنه :(أكثر عنصرية بالمقارنة مع النازية).
وفي مواجهة هذا العداء، ومسلسل الهجمات الإرهابية مؤخرا، فإن رد فعل إسرائيل تميز بضبط النفس، وقد أوضح شارون بجلاء أنه مستعد للعودة إلى التفاوض مع الفلسطينيين بمجرد أن يأمر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بوقف العنف.
إن إسرائيل سوف تستجيب لأي مبادرة دبلوماسية جادة من أي زعيم عربي كان موجودا في عمان، بإستثناء صدام حسين، فالجميع لديهم مصلحة في تهدئة التوتر الإقليمي، ولكن من المؤسف أن العديد من هؤلاء الزعماء يبدو مستعدا لمواصلة التوتر مع إسرائيل على حساب احتياجات مواطنيه.
إلى هناك إنتهى مقال صحيفة الهيرالد تريبيون التي نشرت في نفس العدد وفي أكثر من مقال آخر قصة الطفلة الإسرائيلية التي قتلت برصاص قناصة.
ولكن على من يقع اللوم الآن ؟ من الذي تسبب في خروج واشنطن من اللعبة ؟ أين ستذهب الآن تلك الـ 99% من أوراق اللعب الشهيرة؟ .. وهل يعني ذلك أن واشنطن لن تلعب بعد ذلك في المنطقة أو معها ؟ .
ثم من هو المسئول عن عدم إلتزام الزعماء العرب بالنصائح التي وردت في مقال الصحيفة الأمريكية، تلك الصحيفة التي لم تر الجنازات الجماعية اليومية لأطفال فلسطين، وبكت الدمع الهتون عن تلك الطفلة الإسرائيلية التي شارك أبواها في اغتصاب الأرض التي يعيشون عليها ؟
لا داعي للإحتجاج بأن ذلك منطق معكوس، فذلك ليس وقت المنطق والفلسفة، بل وبصراحة ذلك هو منطق الأمور فالولايات المتحدة دولة عظمى، وهي العظمى الوحيدة الآن بلا منافس، ولديها ما يكفيها من الهموم الكونية، وهي وإن ادعت لبعض الوقت عكس ذلك لا ترى في المنطقة سوى أمرين لا ثالث لهما: البترول وإسرائيل، أما الباقي فمجرد تفاصيل، فلماذا يكابر الآن من يكابر أو يزايد من يزايد؟
لقد اشرفت أمريكا وعلى مدى الحقبتين الأخيرتين على إزالة كل الأعشاب الضارة التي قد تعرقل نمو إسرائيل كقوة رادعة إقليمية، وكانت آخر هذه العمليات الناجحة عملية إعادة دولة العراق إلى العصور الوسطى أو ربما إلى ما قبل ذلك، وقامت بإزالة العديد من أحجار الجدار النفسي (من ناحية العرب)، وبعد أن تحققت من تكريس شرعية إسرائيل إقليميا، استدارت كي تشكك في شرعية باقي الإقليم، وغسلت يديها وتم وضع الفلسطينيين على الصليب).
ومن المحزن حقا أن العرب ليس لديهم كما لليهود حائطا للمبكى، ولا يوجد في تراثهم يوما مثل يوم كيبور أو عيد الغفران الذي يندم فيه اليهود على خطاياهم التي ارتكبوها خلال العام.
أن حائطا عربيا بحجم خطايانا لن تكفيه المساحة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، حيث لا نعرف بكاء إلا على اللبن المسكوب وما أكثره.
ولكن أليس هناك حلا لهذه المعضلة ؟..
أظن أن ما نقرأه اليوم ونشاهده (على مثال ما أوردته الهيرالد تريبيون) قد يعطي إجابة شافية، فلا بد أن تمتليء صحفنا العربية ببرقيات عزاء لتلك الأسرة الإسرائيلية الحزينة في الخليل، وأن يتقاطر المعزون من كل بلد عربي إلى الخليل، وأن يعقد مؤتمرا يخصص لتقديم الاعتذار كي تتمكن تلك الأسرة المسكينة من دفن طفلتها، فليس مهما الآن دفن أطفال فلسطين، فلقد دفنوا منذ أن تم دفن أمور أخرى كان لها ذات يوم قيمة ومعنى، أما أمريكا .. فقد قضى الأمر، ولله الأمر من قبل ومن بعد.