(السطور التالية منقولة من كتابي – تحت الطبع – ” دبلوماسية العبور ” )…
كانت سماء الشرق الأوسط تختنق بدخان المعارك التي تدور بلا هوادة ، ومن بين هذا الدخان الكثيف ، كانت طيور الدبلوماسية تحاول أن تحصل علي نظرة طائر من بعيد ، أو تقترب مغامرة بإحراق أجنحتها …
ومن ذلك مثلاً … الذي قيل عنه في المصادر الإسرائيلية أنه ” الملاك ” ، أهم عملائها في مصر ، بل وفي الشرق الأوسط كله ….
وفي الأردن ، كان هناك الملك حسين الذي لم تنقطع زياراته السرية إلي إسرائيل ، ولقاءاته مع جولدا مائير ( نعم هي نفس الفتاة الفاتنة التي قابلها جده عبد الله ، ويقال أنه أدارت رأسه فتخلي عن اللد والرملة ، رغم أنه كان قائد القوات العربية المشتركة ، وقد ترتب علي هذا التخلي حصار القوات المصرية التي كانت قد وصلت إلي عمق فلسطين في ذلك الوقت ) ….
………….، …………………….، …………ـ، …………..
في برقية سرية للسفارة الأمريكية في عمان أثناء حرب اكتوبر 1973 ، نقل السفير الأمريكي عن مقابلة له مع الملك حسين ، أن الملك كان شبه منهار ، واشتكي له من إختراقات الطائرات الحربية الإسرائيلية للمجال الجوي الأردني كي تضرب أهدافها في سوريا ( تقريباً كي تتفادي أثر صواريخ سام ) ، ولكن ما أزعج الملك هو أن الطائرات الإسرائيلية ” حطت ” في قاعدة المفرق الجوية الأردنية !! ، وهو يشكو متألماً أنه احتمل كثيرا ، ولكن ذلك أمر لا يمكن إحتماله !! ..
وفي برقية أخري للسفارة الأمريكية رقم 5367 من عمان يوم 8 أكتوبر 1973 ، قال الملك حسين للسفير الأمريكي أن الملك فيصل أرسل إليه رسالة يطلب فيها دفع القوات السعودية المتواجدة في الأردن إلي سوريا كي تشترك في القتال الدائر مع إسرائيل ، وقال حسين أن الملك فيصل كان شبه هائج وهو ينتقد عدم مشاركة الأردن في القتال مع مصر وسوريا ضد إسرائيل ، وقد أجابه الملك حسين أن القوات السعودية مطلوبة في المواقع التي تحتلها حالياً داخل الأردن ، وطلب من السفير الأمريكي راجياً أهمية التوصل إلي وقف إطلاق النار فوراً حتي تخف الضغوط التي يتعرض لها تقريباً من كل الدول العربية .
(ويجب في هذا المجال أن نتذكر ذلك الملك السعودي الفارس الحقيقي ، الذي أزعجت مواقفه العروبية واشنطن وتل أبيب ، وبعض العواصم العربية وخاصة عمان الأردن ، وحين نتذكر ذلك يجب أن نتساءل مرة أخري عن مؤامرة إغتياله التي لم تتكشف كل أبعادها حتي الآن .. ).
أليس عجيباً أن أغلب من خاضوا الحرب ضد إسرائيل قد تم إغتيالهم بما في ذلك السادات وقادة المقاومة الفلسطينية ( بما في ذلك أبو عمار ) …
أن كل سطر قرأته في كتب الصهاينة ، يكاد يشير إليهم بأصابع الإتهام ، فهم أشد البشر تنفيذاً لمبدأ ” العين بالعين والسن بالسن ” ، ويفاخرون بإرتكاب مختلف الجرائم بحجة الثأر …
رحم الله الملك السعودي العظيم ، الملك فيصل بن عبد العزيز .
وللإنصاف ، لا ينبغي المسارعة بالإتهامات للملك حسين ، فكما سبق أن شرحت في الفصل السابق ، كان ” الملك الصغير ” كمن يمشي علي الحبل طوال فترة حكمه ، يحاول أن يحتفظ بكل الكرات التي يلعب بها سياسيا معلقة في الهواء طول الوقت ، حيث كان عليه أن يحتفظ بإستقرار داخلي مهتز ، في بلد فقد نصفها في حرب 1967 ، ويعيش في النصف الثاني شرق الأردن مع أغلبية من أصول فلسطينية غاضبة منه وعليه ، أضطر أن يرتكب فيها مجازر في أيلول 1970 ، وأنقذته إسرائيل بواسطة أمريكية من غزو سوري ، ومن ناحية أخري ، فهو يعتمد بشكل كامل علي المعونات الخارجية ، وبعضها يجيئه من السعودية والكويت ، ولذلك كان عليه أن يحارب مع السعودية ضد القوات المصرية علي جبال اليمن ، ولكنه أضطر في الأيام الساخنة من مايو 1967 أن يسارع إلي القاهرة كي يوقع مع عبد الناصر إتفاقية دفاع مشترك ، وهو يعلم ” كما قال للإسرائليين فيما بعد ” أنه كان يوقن أن الحرب لو قامت فأنه وعبد الناصر سوف يخسرون .. ولكن لم يكن لديه خيار في مواجهة تعبئة شعبية داخلية كان يمكن أن تطيح به إن لم يفعل ذلك” ..
لقد واصل الملك إرسال معلومات إلي واشنطن وتل أبيب ، حول إجتماعات القمم العربية ، والتحركات العسكرية .. إلخ ، في محاولة منه في ضمان بوليصة تأمين لما تبقي من المملكة التي ورثها عن آبائه …
رحم الله الملك حسين ، فمن الممكن للمرء أن يدعي الحكمة بأثر رجعي ، ولكن الحكم الصحيح علي الوقائع والشخصيات يتطلب المعايشة الحقيقية للظروف التي أحاطت بتلك الوقائع ، والخيارات التي كانت متاحة لتلك الشخصيات ..