الصحافة هي مهنة الأخبار والمعلومات والقصص الصحفية التي تكشف الحقائق وتٌعلِم المواطنين بما يدور في كل مكان، تكشف وتحقق وتطرح الأسئلة للحصول على أجوبة يحتاجها الناس، هي صوتهم في كل الأحوال، ولكي تقوم بهذا الدور فهي بطبيعة الحال تحتاج إلى مصادر موثوق بها للحصول على المعلومات، وتحليلها وتقديمها للقاريء.
غيبت الدولة مؤخرًا، كل ما يخص “المعلومة” التي هي أساس العمل الصحفي، تغييبًا طال من بنية العمل الصحفي، كما أن المصادر التي يمكن أن تحصل منها على معلومة أو رأي يفيد، أصبحت هي الأخرى ترفض الحديث.
العقد الأخير شهد تراجعًا كبيرًا في علاقة الصحفيين بالمصادر، وأصبح الصحفيون يعانون من صعوبة كبيرة في الوصول إلى المصادر ذات الصلة بالقصة الصحفية والتواصل معهم، خاصة المصادر السياسية، فضلًا عن إحساس المصادر السياسية نفسها أن دور الصحافة يتوقف عند نشر أنشطتهم والترويج لهم فقط وكأنها صحافة علاقات عامة.
والملاحظ، أن السياسيين في غالبيتهم أضحوا يخافون من مواجهة الصحافة، ويتهربون من الأسئلة، ويقطعون اللقاءات المصورة وينفدون بجلدهم لمجرد إحساسهم أن الأسئلة ليست تقليدية، وأن هدف هذه الأسئلة هو البحث عن الحقيقة لا “تلميعهم” وتقديمهم للجمهور كملائكة.
“الحرية” سألت نقابيين وسياسيين عن أسباب هذا الوضع الكارثي:
الكاتب الصحفي يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، يقول إن خوف وابتعاد المصادر عن الصحافة يرجع إلى حالة فقدان ثقة وعدم المصداقية التي نشأت بين المصدر والصحافة، مضيفًا: “المصدر أصبح غير واثق أن ما سيدلي به سيجده على ورق الجريدة”.
وأضاف “قلاش” لـ”الحرية” أن هامش الحرية انعدم بشكل كبير، ما أثر على ثقة المصدر في الصحافة بشكل عام، مضيفًا: “المصادر أصبحت ترى أن الصحف لا تعبر عنها”.
وتابع “قلاش”: الصحافة الجادة أصبح غير مسموح لها بالتواجد، مؤكدًا أن حل هذه المشكلة واستعادة المصداقية ستتطلب العديد من الشروط وعلى رأسها إتاحة هامش من الحرية مرة أخرى.
وأردف: “كان من المفترض في ظل الحوار الوطني أن تكون الروافع الخاصة به هي الصحافة والإعلام، ولكننا حتى الآن لا نجد للحوار أي صدى على مستوى الإعلام أو الصحافة”.
من جانبه اعتبر الكاتب الصحفي محمد سعد عبد الحفيظ وكيل نقابة الصحفيين للتسويات وتطوير المهنة والتدريب، أن خوف المصادر من التحدث أو التعامل مع الصحافة يرجع إلى شقين، الشق الأول يتعلق بالمحاذير التي تم فرضها على الصحافة خلال الـ8 سنوات الأخيرة، والتي جعلت جميع المصادر تقلق من التصريح بمعلومة أو رأي تحاسب عليه سياسيًا، أو يتم لومها بسبب الكشف عن معلومة أو التحدث في قضية معينة.
وأضاف “عبد الحفيظ” لـ “الحرية” أن المناخ العام الحالي لا يسمح للمصدر سواء كان في قلب دوائر صنع القرار أو كان مصدرًا سياسيًا أن يشتبك مع قرار أو يتوجه بنقد لأوضاع معينة أو يعطي معلومات في أي موضوع حتى لو كانت صحيحة.
وتابع: الشق التاني من هذه المشكلة يتعلق بالصحفيين، حيث إن الصحافة تشهد الآن تراجعًا في المستوى المهني بشكل ملحوظ، وخاصة على مستوى الأجيال الجديدة التي لم تعاصر الفترة التي كان فيها هامش الحرية واسعًا، بما يسمح لها بالتدريب على الحديث مع المصدر، ونقل تصريحاته بشكل صحيح ودقيق إلى الرأي العام.
وأردف: المصادر أصبحت تكتفي بالبيان الصادر سواء من المصدر نفسه أو المتحدث الرسمي الخاص به، بدلًا من الإدلاء بتصريحات من الممكن أن يتم نقلها بطريقة خاطئة وتتناقض مع رؤية المصدر نفسه.
واستطرد عبد الحفيظ أن المناخ الحالي أدى إلى الاتجاه نحو المساحات الآمنة، من خلال تناول موضوعات وقضايا خفيفة، وتأثيرها على صانع القرار هامشي، وبالتالي لا تسبب أي مشكلة.
أما الكاتب الصحفي علي القماش منسق لجنة الأداء الصحفي بنقابة الصحفيين فيقول إن ابتعاد المصادر بشكل عام عن الصحافة سببه تغير شكل النظام السياسي، وخوف هذه المصادر من التعرض للمساءلة أو الحبس.
وأضاف “القماش” لـ”الحرية” أن اختفاء الصحافة الجادة والمبدعة خلال الفترة الأخيرة كان سببًا رئيسيًا في ما حدث من ابتعاد المصادر وخاصة السياسية عن الصحفيين.
وتابع: ليس هناك الآن صحافة جادة ويرجع ذلك إلى أن المناخ العام غير حر، مضيفًا أن الصحافة الحالية وخاصة الورقية أصبحت متشابهة بشكل كبير، وليس بها أي شكل من أشكال الإبداع.