بداية، ماذا تعني “فلسفة القانون”؟!
فلسفة القانون تعني “الغرض أو الهدف من صدور أي قانون”، ولكن حتى الآن لم نفهم…
- ما هي الفلسفة القائمة عليها مشروع قانون الإجراءات الجنائية الحالي المعروض على اللجنة الدستورية والتشريعية؟!
حتى الآن، لم يخرج للشعب المصري وللمقيمين على إقليم الدولة المصرية أي عضو من أعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية ليوضح لنا ما هي الفلسفة التي يقوم عليها مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد.
ولكن، هل كان الغرض لمن صاغ مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية هو الإصلاح؟! أم كان الهدف هو تقنين إجراءات باطلة بوضعها في نصوص قانونية لتكتسب صفة المشروعية الإجرائية؟!
حتى الآن، لم يجب علينا أحد من أعضاء لجنة الشؤون الدستورية والقانونية المعروض عليهم مشروع قانون الإجراءات الجنائية حاليًا.
- ما هو الدستور الثاني في مصر؟!
يعد “قانون الإجراءات الجنائية” الدستور الثاني في الدولة المصرية، حيث يمثل العمود الفقري للعدالة في مصر، كما أنه يمس كافة أفراد المجتمع المصري سواء كانوا مواطنين أو مقيمين على الإقليم المصري. فهو حامٍ لحقوق وحريات المواطنين، ولذلك يجب أن يخرج هذا القانون الجديد متفقًا في مواده مع ما جاء في (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهود الدولية، المواثيق الدولية، الاتفاقيات الدولية، الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، الدستور المصري الصادر عام 2014).
- ما هي الحاجة الملحة التي تجعل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ترغب في إخراج قانون يمس كل أطياف المجتمع بهذه الصورة العاجلة؟!
لم نتلقَ ردًا حتى الآن، والغريب أن مشروع القانون يتجاوز (530 مادة)، تم صياغتها بصورة عاجلة جدًا، مما أدى إلى وجود مواد بها عوار دستوري، أي أنها لا تتفق مع مواد الدستور الذي يأتي على رأس الهرم التشريعي. والأكثر غرابة أن يناقش القانون خارج وقت انعقاد مجلس النواب.
وهنا في مستهل حديثنا عن “مشروع قانون الإجراءات الجنائية”، وبعد قراءتنا لمشروع القانون المطروح على لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، نجد أن هذا المشروع يغلب سلطة الاتهام على سلطة الدفاع، وهو أمر عجيب.
فإذا نظرنا إلى كافة قوانين الإجراءات الجنائية في دول العالم، نجدها تغلب “سلطة الدفاع” على سلطة الاتهام، لتمكين المحامي من الدفاع عن المتهم وإثبات براءته من التهم المنسوبة إليه.
كما أن “سلطة الاتهام” تمتلك من الإجراءات ما يمكنها من إثبات التهمة على المتهم.
على سبيل المثال: تملك سلطة الاتهام (طلب تحريات المباحث، القيام بتحقيقات، ندب خبراء، تفريغ كاميرات) والعديد من الإجراءات التي تمكنها من إثبات التهمة على المتهم.
على الجانب الآخر، نجد أن المشرع عند صياغته “مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد” غلب سلطة الاتهام على سلطة الدفاع، وهذا مخالف لما جاء في قوانين الإجراءات الجنائية المقارنة بدول العالم.
- لمصلحة من يتم تغليب سلطة الاتهام (النيابة العامة) رغم ما تمتلكه من أدوات وإجراءات على سلطة الدفاع (نقابة المحامين)؟!
حقًا، تغليب “سلطة الاتهام” رغم ما تمتلكه من إجراءات على “سلطة الدفاع” بمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد أمر غير مفهوم، ومخالف لكافة القوانين والتشريعات المقارنة بالدول الأخرى التي تغلب “سلطة الدفاع” على “سلطة الاتهام”.
- لمصلحة من يُحرم “المتهم” من وجود ضمانات في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد تضمن حقه في محاكمة عادلة؟!
هذا أمر غير مفهوم، كيف يُحرم المتهم من حقوقه في الدفاع عن نفسه؟ كيف يتم تقييد سلطة الدفاع عن المتهم (المحامي) مع توسيع نطاق اختصاصات مأموري الضبط القضائي أو رجال السلطة العامة؟ والأكثر من ذلك، يتم تغليب (سلطة الاتهام) على (سلطة الدفاع).
وهنا في مستهل حديثنا عن “مشروع قانون الإجراءات الجنائية” المعروض حاليًا على لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية للتشاور والموافقة على مواده المخالفة لنصوص المواد الواردة في كل من “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، الدستور المصري الصادر عام 2014”.
- موقفنا من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد:
نرفض مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد المعروض على اللجنة الدستورية والتشريعية جملةً وتفصيلًا، لحين تصحيح وإعادة صياغة المواد التي بها عوار دستوري، حتى تصبح مواد “مشروع القانون الجديد” كافلة وضامنة لحقوق وحريات المواطنين، وتمكن المتهمين من حقهم في محاكمات عادلة.
- الخاتمة:
بعد أن طرحنا رؤيتنا حول “مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد” عقب قراءتنا له ووفقًا لما ذكرنا أعلاه، تبين لنا أن هذا القانون جاء مخالفًا لأحكام الدستور المصري، وهو ما لا يليق بالدولة المصرية. فلا يمكن إخراج قانون “للإجراءات الجنائية” يمس كافة أفراد المجتمع ويكون مخالفًا لأحكام الدستور المصري، كما لا يمكن إخراج قانون يكون مقيدًا لحقوق وحريات المواطنين ولا يضمن حق المتهم في وجود محاكمة عادلة. هذا المشروع إذا تم تمريره، فهذا يعد إنهاءً لدولة القانون.
- التوصيات:
- سحب مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد من اللجنة الدستورية والتشريعية، نظرًا لما به من مواد تحمل عوارًا دستوريًا.
- إعادة طرح قانون الإجراءات الجنائية الجديد أمام كافة المؤسسات والجهات والنقابات، وعلى رأسها “نقابة المحامين ونقابة الصحفيين” باعتبارهم أصحاب المبادرة الوطنية للدفاع عن حقوق وحريات المواطنين، بالإضافة إلى القوى السياسية، لمناقشة مشروع القانون الجديد حتى يخرج للنور بصورة تتفق مع رؤية مصر 2030.
- إعداد مجموعات عمل مشتركة تتكون من (أساتذة القانون بكليات الحقوق المصرية، المحامون، القضاة، أعضاء مجلس النواب، أعضاء القوى السياسية) لإعداد مشروع قانون للإجراءات الجنائية يتفق مع “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهود الدولية، المواثيق الدولية، المعاهدات الدولية، الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، الدستور المصري”. وهكذا نكون قد استطعنا تشريع قانون ضامن للحقوق والحريات للمواطنين، وضامن لأحقية المتهم في وجود محاكمة عادلة.