في زمن أصبحت فيه الإثارة و”ركوب التريند” غاية ووسيلة، نشهد اليوم انحدارًا غير مسبوق في مستوى البرامج والصحف، حيث أصبح الهدف الرئيسي هو جذب الأنظار بأي ثمن. لم يعد الهدف هو نقل الحقيقة أو تقديم محتوى ذي قيمة، بل أصبح البحث عن العناوين الصادمة والمثيرة هو الهدف الأسمى، حتى لو كان ذلك على حساب سمعة وشرف الأشخاص.
وسط هذه الفوضى الإعلامية، نجد هجومًا ممنهجًا على واحدة من أبرز الشخصيات الإعلامية في العالم العربي، الدكتورة هالة سرحان، الرمز الكبير والمدرسة الرائدة في عالم الإعلام المصري والعربي. تتعرض لهجوم لا هوادة فيه. تلك السيدة التي كانت دائمًا نموذجًا يُحتذى به في المهنية والتميز، تجد نفسها الآن هدفًا لحملة تشويه متعمدة عبر برنامج “القرار” الذي تقدمه مذيعة مبتدئة تسعى للفت الأنظار بأي ثمن.
ما يزيد من مرارة هذا الهجوم هو مشاركة المخرجة إيناس الدغيدي، التي كانت يومًا ما رمزًا للإبداع السينمائي الجريء. بقبولها المشاركة والإجابة عن أسئلة مسيئة، تتخلى عن قيمها المهنية وتستسلم لحب الظهور وركوب التريندات، التي أصبحت مرآة تعكس الانحدار الأخلاقي لدى بعض الشخصيات المعروفة، وتكشف عن الوجه الآخر للإعلام، حيث تتحول القيم المهنية إلى مجرد أدوات لتحقيق مكاسب وقتية.
إن ما يحدث اليوم ليس بجديد، بل هو جزء من تكتيك قديم يُعرف بـ”التشهير السلبي”، وهو أسلوب سياسي بامتياز، يقوم على نشر شائعات ثم نفيها بطريقة تجعل الناس يتذكرون الشائعة نفسها وليس النفي. هذا الأسلوب، الذي كان يُستخدم في الماضي لتشويه الخصوم السياسيين، أصبح اليوم جزءًا من ترسانة وسائل الإعلام الرخيص، حيث يتم ترويج الشائعات عبر الصحف والمواقع الإلكترونية وكأنها حقيقة، دون أدنى اعتبار للقيم المهنية أو المسؤولية الاجتماعية.
لكن في خضم هذا المشهد القاتم، يجب ألا نغفل أمرًا مهمًا، وهو أن القارئ المصري والعربي ليس ساذجًا كما يتصور هؤلاء الأشخاص. فهو قادر على تمييز الغث من السمين، ويدرك جيدًا أن ما يحدث ليس سوى محاولة لتشويه شخصية عامة لها احترامها وتاريخها، وسعيًا لاعتلاء موجة التريندات على حساب الشرفاء. ومع ذلك، فإن هذه الممارسات لا تسيء فقط إلى الأشخاص المستهدفين، بل تسيء إلى مهنة الإعلام ككل، وتضع الجميع أمام مسؤولية أخلاقية تجاه ما يقدمونه للجمهور.
في نهاية المطاف، نجد أن معظم وسائل الإعلام، باستثناء القلة التي لا تزال تحترم القيم والمبادئ، أصبحت تلهث وراء المشاهدات والتريندات، ولو على حساب سمعة الناس وشرفهم. والأسوأ من ذلك، أن هناك مواقع تبيع مساحات لمن يدفع أكثر، وتشارك في حملات لتشويه وتدمير سمعة المشاهير، مدعومة بلجان السوشيال ميديا التي أصبحت سلاحًا رئيسيًا في العصر الحالي، بشكل يضع الشرفاء في موقف الدفاع المستمر عن أنفسهم ضد معلومات لم يسمعوا بها من قبل.