تحت شعارات “الرعاية الصحية” و”خدمة المريض”، تختبئ ممارسات تجارية مشبوهة تهدد صحة المرضى، حيث تتحول حياتهم إلى سلعة تُستغل لتحقيق أرباح طائلة.
تكشف هذه التحقيقات عن التحالفات الخفية بين بعض الأطباء ومعامل التحاليل الطبية ومراكز الإشاعات، حيث يُحوَّل المريض من شخص يبحث عن العلاج إلى أداة للتربح.
رحلة المريض من العيادة إلى المختبر
“تحتاج إلى هذه التحاليل فورًا”، هي جملة تتردد على مسامع العديد من المرضى أثناء زيارتهم للطبيب، ولكن وراء هذه الكلمات قد تكمن اتفاقات مالية بين الطبيب والمعمل. يقول (ميلاد حنا)، طبيب سابق ترك المجال الطبي لـ«الحرية»:
بعض المعامل تدفع للطبيب نسبة تتراوح بين 20% و50% مقابل توجيه المرضى إليها، بغض النظر عن جودة الخدمة أو ضرورة التحليل المطلوب.
روى أحد المرضى (أ.س) تجربته مع طبيب شهير طلب منه إجراء تحاليل شاملة بتكلفة تتجاوز 3000 جنيه. وعند مراجعته لطبيب آخر، تبين أن أغلب التحاليل لم تكن ضرورية.
معامل التحاليل.. شراكات مالية لا علاجية
تكشف مصادر داخل معامل تحاليل معروفة أن المنافسة بين المعامل لا ترتكز على الجودة بقدر ما تعتمد على “عدد المرضى المحولين”. إذ تقدم المعامل عروضًا مغرية للأطباء تشمل نسبًا مادية، أو حتى رحلات ومكافآت مقابل زيادة عدد المرضى المحولين شهريًا.
الإشاعات.. وسيلة لتحقيق الأرباح
مراكز الإشاعات الطبية لا تبتعد عن هذه الشبكة، إذ غالبًا ما يكون هناك تفاهم ضمني بين الطبيب ومركز الإشاعات لتحويل المرضى لإجراء فحوصات مكلفة قد تكون غير ضرورية. يكشف أحد العاملين في مراكز الإشاعات:
بعض الأطباء يطلبون فحوصات مثل الرنين المغناطيسي أو الأشعة المقطعية فقط لضمان حصولهم على نسبة من الأرباح، رغم أن الحالة قد لا تستدعي ذلك.
الجانب القانوني والأخلاقي
تقول المحامية ولاء حسام لـ«الحرية»: على الرغم من أن القانون المصري يمنع هذه الممارسات، إلا أن ضعف الرقابة يجعلها شائعة.
يُعتبر هذا النوع من الاتفاقات خرقًا للأخلاقيات الطبية ويمكن أن يُعرض المتورطين لعقوبات تصل إلى الشطب من النقابة. ومع ذلك، يواجه تطبيق القانون صعوبة بسبب ضعف الرقابة وغياب الشفافية.
ما الحل؟
وضعت حسام عدة حلول هي:
• زيادة الرقابة: يجب تشديد الرقابة على العيادات والمعامل والمراكز الطبية لضمان الشفافية.
• تعزيز وعي المرضى: نشر الوعي لدى المرضى حول حقوقهم وأهمية استشارة أكثر من طبيب قبل إجراء فحوصات باهظة الثمن.
• تشديد العقوبات: تطبيق العقوبات القانونية على الأطراف المتورطة في هذه الممارسات.
تظل صحة المريض خطًا أحمر لا يمكن المساس به. ومع ذلك، فإن مافيا التجارة بالمريض تستغل الفجوات في النظام الصحي لتحقيق أرباح على حساب حياة الناس.
يبقى الأمل في أن تتكاتف الجهود لإعادة التوازن للقطاع الطبي وضمان أن يبقى المريض محور الاهتمام وليس مجرد رقم في قائمة الأرباح.