حظي الاجتماع بين حماس وفتح، في نهاية إبريل، الذي استضافته بكين بقدر كبير من الاهتمام من جانب المجتمع الدولي، وعلى الرغم من أن آفاق المصالحة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية بعد أكثر من 17 عاما من الانقسام قد لا تقدم حلاً فوريًا لأزمة غزة، لكن بكين ترى أن وحدة فلسطين وقدراتها شرط لا غنى عنه للنجاح على المدى الطويل في تحقيق الدولة الفلسطينية.
كانت وجهة نظر الصين في التعامل مع حماس وفتح قبل اندلاع الحروب، مختلفة، حيث تشهد الصين بشكل متزايد أن حماس تعد قوة سياسية شرعية في مستقبل فلسطين ودولتها، وترفض إدانة حماس أو وصفها بأنها منظمة إرهابية.
واستخدم الصينيون قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3070 لتبرير تصميمهم، ووفقاً للمدير العام لإدارة المعاهدات والقانون الدولي في وزارة الخارجية الصينية، فإن هذا القرار “يؤكد من جديد شرعية نضال الشعوب من أجل التحرر من الهيمنة الاستعمارية والأجنبية والقهر الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح”.
ويمكن تفسير ذلك من وجهة نظر الصين، على أنه مبرر قانوني للفلسطينيين في مكافحة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأكدت حرب غزة على نطاق أوسع للصين وجود حماس ونفوذها ودعمها الشعبي ككيان سياسي، مما أدى إلى وجودها، وخلص إلى أنه لا يمكن استبعاد حماس من العملية السياسية.
وأدى ذلك، قبل اجتماع فتح وحماس في الصين الشهر الماضي، إلى اجتماع علني نادر في مارس بين مسؤول صيني رفيع المستوى مع مسؤول في حماس بالدوحة.
ومن ناحية أخرى، فإن نظرة الصين إلى فتح لم تتحسن خلال العقدين الأخيرين، فمنذ وفاة ياسر عرفات عام 2004، تراجعت سمعة فتح بشكل مستمر في الصين، خاصة بسبب الافتقار إلى الفعالية في سجل حكمها، وعلاقتها بإسرائيل، وسياساتها.
ويقول المحللون الصينيون، مثل نيو شين تشون، الذي كتب مؤخراً في تعليق لصحيفة “جوانجمينج ديلي”، إن قوة فتح تكمن في الاعتراف الدولي بها فقط.
وعندما ينظر الصينيون إلى نضال الفلسطينيين، فلا يسعهم إلا أن يتذكروا تجربة الصين التي أدت إلى انتصارها خلال ثورة الصين، وخاصة نضالها المسلح وتعاونها مع الحزب القومي خلال الحرب ضد اليابان من عام 1937 إلى عام 1945.
وخلال هذه السنوات الثماني، تعرضت الصين لغزو اليابان، وكان الحزب الشيوعي الصيني حزب الأقلية المعارض في مواجهة حكومة الكومينتانغ (القومية) الأكثر قوة والتي تدعمها الولايات المتحدة.
إن الحزب الشيوعي الصيني من أشد المؤمنين بالكفاح المسلح، ويعتبر النهج السياسي الذي تتبعه فتح أحد أسباب التوسع الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وفي الوقت نفسه، تنظر الصين أيضاً إلى القضية الفلسطينية من خلال عدسة استراتيجية الجبهة المتحدة التي تشتد الحاجة إليها بسبب تجربة الحزب الشيوعي الصيني في بناء “أوسع تحالف سياسي يمكن أن يمثل غالبية الشعب”.
ويجب تؤدي مثل هذه الجبهة الموحدة في فلسطين إلى تعظيم صوت القوى السياسية الفلسطينية، فضلاً عن تمثيل السلطة التفاوضية الأكثر شرعية من الحكومة الفلسطينية، واعترفت الصين لأول مرة بالسلطة الفلسطينية وأقامت علاقات دبلوماسية معها في عام 1988.
وفي عام 1995، أنشأت الصين مكتب الاتصال الخاص بها في غزة، والذي تم نقله إلى رام الله في عام 2004. وفي عام 2023، أقامت الصين وفلسطين شراكة استراتيجية، ووفق الرؤية الصينية، فإن المصالحة بين حماس وفتح ستعزز الشرعية والدعم الشعبي للحركة الفلسطينية.
كما يقوي حركة فتح ويجلب بعض الاعتدال لحركة حماس الإسلامية، والأهم من ذلك أن المصالحة بينهما ستوحد الأصوات داخل الفلسطينيين وستشكل “جبهة موحدة” لمواجهة الهجمات الإسرائيلية.
لقد تلاعبت بكين بتوقعاتها بما فيه الكفاية لتلاحظ أن الصين ليست أول من قام بمحاولة الجمع بين حماس وفتح.
وفي الواقع، عقد اجتماع مماثل بالعاصمة الروسية موسكو في فبراير، لمناقشة تشكيل حكومة فلسطينية موحدة وإعادة إعمار غزة، ولم تكن هناك معجزة من موسكو، لكن الصينيين يتخذون نهجا طويل الأمد لمعالجة نقاط الضعف الداخلية في الحركة الفلسطينية.
وقد يكون التأثير على أزمة غزة محدودا في الوقت الحالي، ولكن من وجهة نظر الصين، فإن بناء القدرات والتماسك الداخلي من أجل حركة فلسطينية قوية وموحدة سيعزز في نهاية المطاف قدرة فلسطين، وبالتالي فرصتها في إقامة علاقة أكثر توازنا مع إسرائيل.
كما تعزز الجهود الرامية إلى المصالحة بين حماس وفتح ستكسب الصين المزيد من الاستقبال الإيجابي بين الدول الإسلامية.
وأعلنت بكين أن الجولة المقبلة من اللقاءات بين حماس وفتح ستعقد في بكين في منتصف يونيو المقبل.
ومن المحتمل أن يكون هذا هو المجال الرئيسي التالي الذي ستحاول الصين تحقيقه في مجال السلام في الشرق الأوسط، بعد نجاح وساطتها بين السعودية وإيران.