أبدع الفنان الراحل يحيى شاهين في تجسيد شخصية الأب القاسي والزوج الطاغي: “سي السيد” بطل ثلاثية أديبنا العالمي نجيب محفوظ :” بين القصرين وقصر الشوق والسكرية “، لتبقى نموذجا سلبيا في كل وقت ومكان ، ومضرب الأمثال في مسارات التعافي الأسري من العلاقات السامة والمؤذية.
إن استمرار تمدد نموذج “سي السيد”، في البيوت ضار جدا بالاستقرار الأسري والسعادة ، لأنه نموذج يقوم على مفاهيم حب التملك والسيطرة، والخوف والإرعاب والشك والإخضاع ، بحيث يصير سجانا لأفراد أسرته ، ويتحول الأبناء لديه إلى فئران تجارب ورهائن مزاجه، في ظل احتكاره (الرأي / المشاعر / القرار / الصواب) ، مع علو “الأنا” وطغيان النرجسية، لتكون النهاية مأساوية ولا شك في سجلات العنف الأسري أو على الأقل سجلات التفكك الأسري بمحاكم الأسرة.
هناك فرق كبير – كما يقول الاستشاري النفسي د.محمد طه في كتابه “ذكر شرقي منقرض”- بين الرجولة والذكورة، فالذكورة هي النوع والجنس والبيولوجيا ، والرجولة هي الفكر والسلوك والموقف،..، وبكل أسف، والكلام للدكتور طه، تجمعت عدة عوامل في العقود الأخيرة.. اختطفت من هذا الرجل رُجولته، وتركت له ــ فقط ــ ذُكورته.. أحرقت شهامته وشجاعته وجُرأته، وأبقت على صوته وصورته وعضلاته.. حوَلته من رجل حقيقي مُبادر وحازم ومسئول، إلى رجل مُزيف مُتباهٍ بخشونته وقسوته وافترائه”.
إن رفضي لنموذج “سي السيد” ، لا يعني القبول بأشباه الرجال أو ازدراء الزوج/الأب والتحفيز السلبي ضده بدون سبب ، وتضخيم الأنا في نفس زوجته، وتحريضها للدخول المتكرر في صراعات صفرية معه، وهو ذات الرفض لنمط الزوجة المقهورة السلبية ” الست أمينة”، فلا “سي السيد” بلا ” أمينة “، ولعل الإعتدال المبني على الوعي الأسري المتجدد بمفهوم الزواج الصحيح هو الحل.
إن الزواج ميثاق مقدس يقوم على والمودة والرحمة والتكاتف والتعاون والتفاهم والاتفاق والثقة والخصوصية والوضوح المهذب والحوار البناء والحرية المسئولة والاحترام والتقدير، وإن الرجل في رأيي هو ربان السفينة في بيته ، والمرأة هي عماد الأسرة ورمانة ميزانها.
ليس مطلوبا من أي رجل أن يكون “سي السيد” في بيته، ولا أن يصير من “أشباه الرجال، ولكن عليه أن يكون رجلا بمعنى الكلمة الرشيد، يسعى بجد ومسئولية من أجل بناء أسرة متحابة ذات كرامة، يتربى فيها الأولاد و البنات في مناخ ودود يسوده الحب والوفاق والتعاون ، وصدق الكاتب الراحل عبد الوهاب مطاوع حين قال :”كل شيء جميل في صحبة من تحب”.