قبل يوم كامل من تدشينه رسميًا حصلت “الحرية” على نسخة من البيان التأسيسي الذي يعلنه التيار الحر في مؤتمره غدًا السبت بحزب المحافظين.
وقال البيان إن الحكومة أعلنت مؤخرًا وثيقة قدمتها تحت عنوان ملكية الدولة، بالتوازي مع مجموعة من الإجراءات والمبادرات الاقتصادية الأخرى، بعد أن ظهرت في الأفق أزمة اقتصادية جديدة.
وأضاف: لم تكن تلك الوثيقة الأولى منذ صدور القانون رقم 117 لسنة 1961، الخاص بتأميم بعض الشركات والمنشآت، أي نزع ملكيتها من أصحابها بدعوى تحويلها إلى ملكية عامة، دون أي أساس قانوني أو دستوري، فكانت نقطة البداية في تحول هيكلي لسيطرة السلطة الحاكمة على الاقتصاد، بعدما أصبح جليًا أن السيطرة على الدولة، تارة بإلغاء الأحزاب السياسية وفرض التنظيم السياسي الواحد، وتارة أخرى بالاعتقالات والمحاكمات الجائرة، ومحاولات إدماج القضاء في التنظيم السياسي، لن تكفي لضمان استئثار فئة واحدة من الدولة المصرية بالسلطة، وكان يستلزم هذا التحول بالطبع-حسب البيان- إسناد إدارة تلك الشركات التي كانت قوام الاقتصاد المصري وأساس ثروة المجتمع والدولة، إلى أهل الثقة والمحاسيب، وأصبحت القاعدة في الترقي هي الولاء للحاكم، وباقي القصة ليست خافية عن أي مراقب للشأن المصري.
وقال البيان: ما آل إليه حال الدولة عقب ذلك من تراجع في المؤشرات التنموية والسياسية كافة، كان نتيجة لتحويل العمل السياسي والنشاط الاقتصادي من محرك لدفع الدولة للأمام، إلى مطية للطبقة الحاكمة، فبدأت رحلة انحدار الاقتصاد المصري، ولعل أشهر القياسات على هذا التدهور هو التطابق أو التقارب بين اقتصاد مصر واقتصاد كوريا الجنوبية في ذلك العام (1961)، وما صار عليه حال الدولتين اليوم، وهو ما كان نتيجة لتخبط الدولة، وفقًا لتوجه رأس النظام المكلف، حيث جرى حشد إمكانيات ومقدرات الدولة للسير في ركب المعسكر الاشتراكي إن كان في ذلك مصلحتهم، ثم الانقلاب لاحقًا على ذلك التوجه، والسير في ركب المعسكر الرأسمالي بنفس المبدأ، وعندما انتهت الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين، تحولت مصر إلى دولة دون توجه سياسي واقتصادي واضح ومحدد، ولكن الثابت طوال تلك الفترات، أن الخط السياسي والاقتصادي، لم يكن إلا واجهة خاوية، تنقصها الأسس العلمية التي قامت عليها التجارب الناجحة، وذلك حفاظًا على مبدأ السيطرة السياسية والاقتصادية، واستمر هذا الوضع حتى صحت مصر على الانفجار غير المسبوق في تاريخها في ثورة يناير 2011، متمثلاً في تمرد شعبي، لم تكن له قيادات حقيقية، وإن ادعى كثيرون عكس ذلك، وهو أمر طبيعي في ظل تقزيم المسار السياسي والسيطرة الأمنية عليه، فكان الارتجال، وفات على الكيانات السياسية التي ولدت من رحم هذه الهبة الشعبية، الغبن الذي وقع على هذا البلد نتيجة سوء الإدارة الاقتصادية، على الرغم من أن الأرقام كانت تصرخ بهذه الحقيقة.
وتابع بيان التيار الحر: إننا شاهدنا انتخابات نيابية تلتها أخرى رئاسية، دون طرح برامج اقتصادية تذكر، وانتخب الشعب رئيسًا ينتمي إلى فصيل تسيدي غيبي يعتقد أنه مكلف بإعلاء كلمة الله على الأرض، وليس رفع معاناة الشعب، ووضع حد لسنوات تزايد فيها الفقر والجهل والمرض، بدلاً من الأهداف المعلنة لحركة يوليو، ولم تكن المجالس النيابية التي انتخبت أحسن حالاً، وكان الشيء المشترك هو تجاهل الاقتصاد ومحاولات تطويع السياسة، وكان أداء القوى السياسية رديئًا للغاية، وهو أمر متوقع في ظل سياسات القمع والحرمان من حق العمل السياسي التي عاشتها الدولة على مدار 60 عامًا تحول ذلك التمرد النبيل إلى كابوس من الفوضى.
“اختفت دراسات الجدوى ومعها القطاع الخاص، الذي انخفض حجم الائتمان الذي يحصل عليه لدرجة غير مسبوقة، وفرضت الضرائب تجبرًا، وتوالت القروض بموافقة أسوأ المجالس النيابية في تاريخ مصر، وأسندت المشاريع القومية بالأمر المباشر، وتضاعفت الاعتداءات على الملكية الخاصة خارج نطاق القانون، بدرجة تضاءلت أمامها موجة تأميمات الستينيات.
وأكمل البيان:” أنه نتيجة لكل تلك الخطوات السابقة، وصلنا للمأزق الاقتصادي الحالي الذي ينذر بعواقب وخيمة تذكرنا بما كابدته الدولة المصرية إبان نهاية عصر الخديوي إسماعيل، وقد توقفت مؤسسات التمويل الدولية عن التعامل معنا وأوقفت دول الخليج أي معونات اقتصادية أو استثمارات، وحتى برنامج بيع الشركات سدادًا لديون ما كان لها أن تتم لو كانت هناك فصل حقيقي بين السلطات، تعثر كما أصبح جليًا، بسبب الفساد الذي يشوب تلك الشركات وسوء إدارة عمليات البيع.
لقد استنزفت هذه الحقبة التي امتدت لما يزيد عن 70 عاماً، حرم فيها من ُحرم من تعليم كان رائدًا، ورعاية صحية كانت في الطليعة إقليميًا، بل ومن أبسط أسس ومقومات الحياة الآدمية الكريمة، والأمر مرشح لمزيد من التدهور، ولن نخرج من هذا الوضع بورقة عن ملكية الدولة، لن تكون أكثر من مناورة جديدة، في سلسلة من مؤتمرات اقتصادية وإصلاحات قانونية كرتونية، لمناخ استثماري يحتضر تحت قبضة السيطرة التي أوصلته لهذا الواقع المزري.
ونحن اليوم، إذ نعلن عن نشأة تحالفنا الذي تأسس لوضع خارطة طريق لتحرير المسار الاقتصادي، من كل الأدران التي التصقت به منذ بدايات السيطرة المركزية عليه، ليعود حرًا كما كان قبل حملة التأميمات، وذلك بعمل وإنفاذ التشريعات اللازمة واتخاذ الخطوات الحقيقية ليصبح متسعاً للجميع بدءًا من الشركات المساهمة وصولًا إلى المشاريع متناهية الصغر، ليكون الاقتصاد أداة رفاه للشعب وليس رهينة للحاكم، فلا مناص من إنهاء احتكار الثروة الاقتصادية للبلاد من أيادي الطبقة الحاكمة،
ونؤكد أنه بدون تلك الخطوات تصير شعارات المطالبة بالديمقراطية مجرد كلمات عاجزة ومعلقة في الهواء، كما نؤمن بالتوازي أن الإصلاح السياسي والدستوري هو الأساس ولا إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي يفرض الحكم الصالح، بمؤسساته كما يعرفها العالم المتمدن، من إعلام حر قادر على فرض الشفافية، ومجتمع مدني يحميه القانون بدلًا من أن يكبله، فيكون قادرًا على خلق مسار تنموي، يساهم في المجالات كافة مثل التعليم والصحة وغير ذلك من مجالات، ورفع يد الدولة عن العمل النقابي، فيسمح بالتعددية النقابية التي تتيح التنافس والجدية بدلًا من التنظيم النقابي الموحد الذي يعود لفترة الستينيات الشمولية، وتعد هذه الآليات الديمقراطية كافة بمثابة أدوات حماية للدولة واقتصادها، الذي لا مناص من أن يعود عفياً قوياً كما كان يوماً.
وأشار البيان إلى أن الاعتقاد بأن دولة بحجم مصر ومكانتها الإقليمية وتعداد سكانها يمكن أن تستمر في العيش على القروض والهبات كما أصبح الحال الآن، ليس فقط أمرًا مهينًا لهذا الشعب ومؤشراً على أنه آن الأوان لتغيير هذا النمط الفاشل، ولكنه أيضاً مستحيل عمليًا، ولهذا ندعو كل من يشاركنا هذه الرؤية إلى الانضمام لتحالفنا الذي يسعى لأن يتحول إلى تحالف سياسي، ومظلة لمسار يخرج بالدولة من هذا الوضع المأساوي غير المسبوق والذي نستحق أفضل منه.