تحل اليوم ذكرى ميلاد العالم الإحيائي الكبير تشارلز داروين، إذ ولد في 12 فبراير 1809، وتوفي عن عمر ناهز 73 عامًا عام 1882، ويعد كتابه «أصل الأنواع» صدمةً في ثوابت العقل الإنسان وتمردًا على الفكرة السائدة عن طبيعة الإنسان.
وتعرض لكم «الحرية» في السطور القادمة أبرز المعلومات عن تشارلز داروين، وكيف تناول المثقفون المصريون نظرية التطور.
بدأ تشارلز داروين دراسته في جامعة إدنبرة عام 1825، وتخصص في الطب، ثم انتقل إلى كلية المسيح في جامعة كامبريدج عام 1828.
ويعد داروين من أشهر علماء علم الأحياء، وألف عدة كتب فيما يخص هذا الميدان لكن نظريته الشهيرة واجهت انتقادًا كبيرًا وخاصة من طرف رجال الدين في جميع أنحاء العالم.
نظرية التطور
ونظرية التطور هي واحدة من النظريات التي يرجع تاريخها إلى أكثر من ألفين سنة، لكنها كانت أفكارًا متناثرة لدى بعض الفلاسفة، مثل قصة حي بن يقظان للفيلسوف الأندلسي أبو بكر بن الطفيل، ولكن داروين قام بالبحث عن الأدلة التي تدعم هذه الأفكار، ما جعلها ترتقي لتصبح نظرية حسب المفاهيم الدارجة خلال الوقت الراهن، كما اعتمد فيها على أساس الانتخاب الطبيعي في بناءها.
وعن هذا يقول داروين في مقدمة كتابه أصل الأنواع: «مذهب النشوء والارتفاء قديم يرجع تاريخه إلى آلاف من السنين، وقد نرى أثره في الخرافات الدينية التي وضعها حكماء بابل وآشور ومصر، فكانوا يقولون بأن أثر الكواكب واشتراك بعضها مع بعض كان السبب في نشوء الأحياء في الأرض، وأنها لم تنشأ إلا بالتدريج درجة درجة، وأنه بتأثير الكواكب السيارة في عناصر الأرض قد تعاقبت الأحياء فيها».
وتوضح نظرية التطور أن الأنواع المختلفة من الكائنات الحية الموجودة على كوكب الأرض لها أصول في أنواع أخرى كانت موجوده سابقًا، وترجع الاختلافات التي تميز كل نوع عن الآخر إلى التعديلات التي تطرأ بين الأجيال المتعاقبة.
متى اكتشفت نظرية التطور؟
اكتشف داروين نظرية التطور قبل أن يُعد كتابه «أصل الأنواع»، حيث بدأ بصياغة أفكاره أولًا حول التطور، كما أنه لم يعلن عن هذه النظرية حتى نشر كتاب أصل الأنواع عام 1859، وأثار هذا الكتاب جدلًا كبيرًا في الأوساط العلمية حتى الآن.
وتقوم نظرية التطور على 3 مبادئ أساسية، وفيما يأتي توضيح مبادئ نظرية التطور:
-الاختلاف: ويشير مبدأ الاختلاف إلى جميع الاختلافات الموجود بين الأفراد ضمن نفس المجموعة، أو في نفس النوع من الكائنات الحية على كوكب الأرض.
-الوراثة: فالوراثة من أبرز مبادئ نظرية التطور، وتشير إلى انتقال العوامل الوراثية من الآباء إلى الابناء أو انتقالها من جيل إلى الجيل الذي يليه.
-الصراع من أجل البقاء: ويشير هذا المبدأ إلى الاختلافات التي تمنح الكائنات الحية مميزات تسمح لها البقاء في بيئة معينة، مما يتسبب بتغير الأنواع عن طريق التكاثر الانتقائي.
ويأتي منهج داروين في دراسته لأصل الأنواع، أن الاستقرار لا يُعرف في الطبيعة، وأن الإنسان والحيوان والنبات في تغير مستمر.
فائدة نظرية التطور
كشفت نظرية التطور عن أصل الإنسان وعلاقته بالكائنات الحية الأخرى، كما أنها تسيير لطريقة توريث السمات الوراثية من جيل إلى جيل آخر، ولا يقتصر التطور على نوع واحد من الكائنات الحية، وإنما يشمل دراسة مختلف أشكال الحياة على سطح الأرض دون استثناء.
سلامة موسى عميد الدارونية العربية
ويعد المفكر الراحل سلامة موسى، رائد الفكر الاشتراكي في مصر، وأحد أعمدة الداروينية في العالم العربي، واحدًا مِمَن تأثروا بداروين وكتب عنه في أكثر من مؤلف مثل كتابه «ما هي النهضة، نظرية التطور وأصل الإنسان، الإنسان قمة التطور».
ويقول عنه «موسى» في كتابه هؤلاء علموني: «ولا أعرف كاتبًا تاثرت به أكثر مما تاثرت بداروين، فإنه أعطاني اللقب الذي أزن به أحيانًا، وأحيانًا أهدم به التقاليد، وجعل التطور مزاجًا تفكيريًا ونفسيًا عندي، بل جعله عقيدتي البشرية التي تنأى عن الغيبيات، وقد أصبحت اقيس الأمم بمقدار تطورها، وأقيس أمالي الاجتماعية بمقدار ما أجد من قدرة على التطور، ذلك أن التطور في أساسه منطق علمي ولكنه استحال عندي إلى عقيدة قلبية»
ويختتم كلمته: «وإذن يجب أن أعدَّ داروين المعلم الأول الذي علمني».
إسماعيل مظهر المترجم الأكبر لداروين
ويعود الفضل في ترجمة كتاب أصل الأنواع، إلى المفكر الراحل إسماعيل مظهر والذي رحل عن عالمنا عام 1962، والذي يعد أحد أعلام الثقافة العربية إذ كتب في الفلسفة والعلوم، واللغة، وأصدر مجلة «العصور» والتي تجلى فيها خطابه النهضوي، والتي تنوعت ما بين الأدب والعلم والسياسة والدين، وغيرها، وسطعت بأسماء أعلام الأدب العربي والغربي حينها، مثل، العقاد، وحسن كمال الصيرفي، وإيليا أبو ماضي، وبرنارد شاو، وطاغور، وغيرهم.
عكف مظهر على ترجمة كتاب داروين عام 1918، إذ رأي على حدِّ تعبير الدكتور إمام عبد الفتاح «رأي أن الإلمام الجيد بهذه الثورة العلمية، لا يكون إلا بقراءة النصوص النظرية نفهسها فعكف على ترجمة الكتاب».
وجدير بالذكر أن الفصل 14 و 15 من الكتاب ترجمه الدكتور محمد يوسف حسن، أستاذ الجيولوجيا بجامعة عين شمس، بعد وفاة إسماعيل مظهر نفسه
الشيخ طنطاوي جوهري وتدين التطور
اعتبر التطور على مدار 200 عام مضادًا للدين، ونقيضًا له، إلا أننا نجد محاولة بداية القرن العشرين، للشيخ طنطاوي جوهري أستاذ الأدب العربي بمدرسة دار العلوم -كلية دار العلوم جامعة القاهرة حاليًا- للتوفيق بين الإسلام ومذهب داروين، فيقول المؤرخ الراحل الدكتور عبدالعظيم رمضان في كتابه «الفكر الثوري في مصر قبل ثورة 23 يوليو»: «بل رد هذا المذهب إلى علماء المسلمين فقد ذكر أن هذا المذهب يرجع إلى قضيتين اثنتين، هما لاينافيان الأولوهية: أولاهما، أن العوالم العضوية من النبات والحيوان والإنسان متشابة منتظمة متناسقة، يتصل أولها بآخرها، وثانيهما، هي أن الأجناس العُليا مشتقة من الأجناس الدنيا، وقال -يقصد الشيخ جوهري-: إن الله وضع العالم منظمًا مرتبًا سائرًا على القانون والترتيب والحكمة والتناسق، كما هو القضية الأولى، أو قلت إن الخيل والحمير تولد بينهما بغل، فلا كفران ولا خسران»
ويختتم الدكتور رمضان: «وقد اعتبر الشيخ طنطاوي جوهري أن قراءة التشريح والطبيعة والكيمياء وسائر العلوم العصرية، ودراسة الحيوان والنبات والإنسان، أجلُّ عبادة، وهي أفضل من صلاة النافلة والإحسان للفقراء».