استعرض موقع «الحرية» في حوار خاص مع المحامي والحقوقي عمرو إمام، بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لثورة 25 يناير قراءته التحليليةً لمسار الثورة وتداعياتها على المجتمع المصري.
بدأ إمام حديثه بتقسيم تأثير الثورة إلى ثلاث مراحل: سنوات النشوة الأولى (2011-2014)، فترة الانسحاب الجماعي (2014-2019)، ثم مرحلة الاعتراف بالهزيمة (2019 حتى اليوم).
وأكد أن الثورة، رغم إجهاضها، تركت أثرًا عميقًا في وجدان المصريين، وإن كان البعض يراها مجرد «حلم جميل مضى».
حمَّل المسؤولية الكبرى لـ«الثورة المضادة» و«الدولة العميقة» في إفشال الثورة، مشيرًا إلى أن هذه القوى نجحت في إعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة، من خلال سيطرة رموز مثل أحمد عز على المشهد السياسي والاقتصادي.
وانتقد بشدة دور الإعلام المصري الحالي، واصفًا إياه بأنه «مغيب تمامًا» عن تناول قضايا الثورة أو أي شأن عام جاد. كما هاجم الأحزاب السياسية التي – برأيه – تحولت إلى «مراكز شباب» بدلًا من أن تكون أدوات للتغيير.
اختتم حديثه برسالة أمل، مؤكدًا أن الثورة لم تمت، وأن أهدافها في الحرية والعدالة الاجتماعية ستظل حية في قلوب من يؤمنون بها، قائلًا: «الثورة القادمة ستأتي حتمًا، لأن الناس لن تتخلى عن حقها في الحياة الكريمة».
كيف ترى تأثير ثورة 25 يناير بعد مرور 14 عامًا؟
هذا الموضوع يمكن تقسيمه إلى جزئين أو ثلاثة.
الجزء الأول يتناول تأثير الثورة بشكل عام على المجتمع، في السنوات الأربع أو الخمس الأول، إذ كان هناك تأثير واضح على سلوك الأفراد وطريقة تعاطيهم مع أمور حياتهم.
كان هناك شعور بالنجاح والفخر بتحقيق هدف سامٍ، مثل نجاح ثورة 25 يناير، حتى عام 2014، إذ كان هناك إحساس قوي بإمكانية النجاح.
ثم من عام 2014 إلى 2019، كانت فترة انسحب خلالها الشعب والمجتمع بشكل واسع، وبقي على السطح فقط أولئك المهتمين بالسياسة والعمل العام، والمهتمون بشكل مباشر بثورة يناير، الذين يُطلق عليهم النخبة السياسية، رغم أنني لا أراهم كذلك.
وأتمنى أن نتمكن من إعادة الصورة إلى الشارع وأن يعود شغف الناس بالتغيير من جديد، أو على الأقل إظهار الحقائق بشكل واضح للجمهور.
كانت تلك الفترة التي بدأ فيها التبديل الواضح للحقائق، كما لو كان التغيير يتم بشكل تدريجي وملحوظ.
ومنذ عام 2019 وحتى اليوم، بدأنا نواجه الاعتراف بهزيمتنا بشكل صريح وواضح.
كان هناك حلم بالثورة، ويجب الاعتراف بهزيمتنا، لا تقليلاً من الثورة أو من الشعب الذي صنعها، ولكن بسبب سيطرة الثورة المضادة والدولة العميقة، التي قد تبدو مصطلحات كلاسيكية ولكنها حقيقة ملموسة.
خلال تلك الفترة، كانت هناك سيطرة تامة على مجريات الأمور في مصر، من خلال خروج بعض رموز النظام السابق من السجون مثل أحمد عز وغيرهم من رجال الأعمال مثل صبري نخنوخ، وظهور بعض الشخصيات الأخرى، إلى جانب التعديلات الدستورية والانتخابات، حيث سيطروا بشكل واضح على كل تلك الجوانب.
بالنسبة لي، كانت هذه المرحلة بمثابة إعلان للهزيمة.
ليس فقط بسبب ذلك، ولكن لأن هناك إصراراً واضحاً وقوي من السلطة على أن يدفع كل من شارك في ثورة يناير من القيادات الشابة، سواء كانوا سياسيين أو كتاباً أو غيرهم، ثمن مشاركتهم في الثورة.
من أبريل 2019 وحتى نهاية العام، تم اعتقال أكثر من 150 شخصاً من المحسوبين على ثورة يناير، سواء من الصف الأول أو الثاني.
اقرأ أيضًا: في الذكرى الرابعة عشرة لثورة 25 يناير| عصام الشريف يكتب: متى تتحقق أهداف الثورة؟.. ورسائل عاجلة للمسؤولين
وكانت هذه رسالة واضحة بالنسبة لي، وهي أن ثورة يناير قد انتهت، وهذه كانت رسالة من النظام نفسه.
ومن وجهة نظري، كان ذلك اعترافاً بأن الثورة انتهت، وأن شبابها قد انتهوا، ولكننا على الأقل لم نُهزم تماماً.
في النهاية، نحن لا نزال على قيد الحياة، واقفين على أقدامنا، وهذا يعد نجاحاً، ولكن ليس نجاحاً للثورة. إنه نجاح لنا ولذواتنا.
هل حققت الثورة أهدافها ؟
الثورة لم تحقق أهدافها الأساسية أو الفرعية، بل أجهضت بشكل بشع، سواء من خلال القهر أو التسلط أو تخويف الناس أو التدمير الاقتصادي الذي أدى إلى أن تصبح مصر طبقة واحدة فقط، وهي الطبقة التي تتجاوز ثروتها بعض المليارات، ما جعل الحياة فيها صعبة للغاية.
ما أبرز العقبات التي واجهتها الثورة وأثرت على تحقيق مطالبها؟
الثورة المضادة والدولة العميقة هما أبرز العقبات التي واجهت ثورة 25 يناير، وهذه العقبات لم تكن مقتصرة على يناير فقط، بل كانت هي العقبة الرئيسية في أي ثورة حدثت في العالم خلال الـ 200 سنة الماضية.
هذه القوى هي من أجهضت الثورة بنجاح، ومنعتها من تحقيق أهدافها.
كيف تقيّم دور الشباب الذين قادوا الثورة في ذلك الوقت؟ وهل ترى أن دورهم مستمر حتى اليوم؟
ما يمكن قوله عن دور الشباب في ثورة 25 يناير هو أن الناس كانوا يحلمون بمستقبل أفضل، حلموا بمشروع للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة.
ولكن، من المهم أن نوضح أن الشباب الذين برزوا في هذه الثورة لم يكونوا نتاجًا مباشرًا لها. معظم هؤلاء الشباب، مثل هيث محمدين، علاء عبد الفتاح، أحمد عزت، مالك عدلي، وغيرهم، كانوا أبناء الانتفاضة الثانية.
بدأوا نشاطهم السياسي والعمل العام في فترة ما قبل الثورة، حيث استكملوا مشوارهم حتى وصلوا إلى الثورة الثانية.
ما لدروس المستفادة من ثورة 25 يناير التي يجب أن تتعلمها الأجيال الجديدة؟
لا أستطيع تحديد الدروس المستفادة بشكل واضح، ولكن كان من الضروري توعية الناس أكثر مما حدث. يجب أولاً أن ندرس للأجيال القادمة الحقيقة كاملة.
يجب أن يعرفوا الحقيقة إذا كان لنا دور في السنين القادمة، فهوا أن نعرف الأجيال التي لم تعاصر ثورة يناير وما بعدها عن القهر والظلم والسجن، ومن حارب الثورة، ومن شوهها، ومن أجهضها، ومن حبس شبابها.
هذه الحقائق يجب أن تُقال، ولا مفر من ذلك
هل تعتقد أن ثورة 25 يناير لا تزال حاضرة في وجدان الشعب المصري أم أنها أصبحت مجرد ذكرى؟
الثورة حاضرة سواء رضينا أم أبينا، سواء رفضها البعض أو قبلها آخرون، هي موجودة. وهذا ليس كلامًا مرسلاً، بل هو منصوص عليه في الدستور كـ «ثورة مصرية شعبية 25 يناير».
أما إذا كانت هذه الثورة ما زالت حية في قلوب الناس، فهذا موضوع آخر.
أعتقد أن بعض الذين انتموا إليها سيذكرونها كحلم جميل مضى، بينما سنظل نحن المهتمين بالشأن العام والسياسة نراها حلمًا دائمًا مستمرًا، وسنحقق أهدافها في يوم من الأيام.
كيف ترى تعامل الإعلام والسياسة مع ذكرى الثورة الآن؟ وهل تُقدَّم الصورة الحقيقية لما حدث؟
الإعلام المصري، بصراحة، لا وجود له حاليًا بشكل حقيقي.
لا يمكن الحديث عن وجود إعلام مصري يعبر عن ثورة يناير أو أي نوع من السياسة بشكل جاد، الإعلام، كما هو الحال الآن، مغيب تمامًا عن تناول الثورة أو التطرق إلى أي قضايا جوهرية متعلقة بها.
أما عن السياسة في مصر، فهي تعاني من نفس المشكلة، لا يوجد مجال سياسي حقيقي.
ولدينا بعض الأحزاب التي تعلن أنها «لا موالاة ولا معارضة»، ويصرحون بأنهم «مش طمعانين في الحكم»، ولكن في الواقع ما يقدمونه لا يرقى إلى مستوى العمل السياسي، بل يبدو أشبه بمركز شباب أكثر من كونه كيانًا سياسيًا مؤثرًا.
في رأيك، كيف يمكن إحياء قيم الثورة وأهدافها في الظروف الحالية؟
من يؤمن بالقيم الثورية سيظل متمسكًا بها حتى النهاية، ومن لا يؤمن بها لن يتغير موقفه. الثورة ليست مجرد حدث، بل هي حالة مستمرة تعبر عن إيمان عميق بقيم العدل، الحرية، الكرامة، والمساواة.
عند قيام أي ثورة، أهدافها تكون واضحة ومحددة، ولكنها في الوقت ذاته تحمل طابعًا عامًا يمكنه أن يتجدد مع الزمن. يمكننا أن نقول إن أهداف الثورة تتمثل في إحياء العدل، تحقيق السلام، وضمان حقوق الإنسان.
هذه ليست مجرد شعارات، بل هي القيم الجوهرية التي تبني المجتمعات وتحميها.
الثورة القادمة —لأنها بلا شك قادمة— ستحمل نفس الأهداف، لكنها قد تأتي بشكل مختلف وبأدوات جديدة.
ولكن جوهرها سيبقى إيمان الناس بحقهم في الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية.
هل ترى أن تحقيق مصالحة سياسية بين الأطراف المختلفة يمكن أن يُعيد الأمل في تحقيق أهداف الثورة؟
بالحديث عن المصالحة السياسية، سواء كانت بين التيارات الإسلامية والدولة أو بين التيارات الإسلامية والمجتمع المدني، أعتقد أن التيارات الإسلامية الموجودة حاليًا على الأرض في مصر أصبحت بشكل واضح وصريح تابعة للنظام، وهذا أمر لا جدال فيه.
أما بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين كفصيل سياسي إسلامي كان له دور في الحكم، فإن إمكانية عودتهم إلى الشارع أو قبول المجتمع لهم مرة أخرى أمر يصعب التكهن به.
هذا لا يتعلق فقط بما مروا به سياسيًا، ولكن أيضًا بسبب أخطائهم السياسية الجسيمة التي دفعت الكثيرين لفقدان الثقة فيهم.
غباؤهم السياسي كان عاملًا رئيسيًا في فشلهم خلال الفترة التي تولوا فيها السلطة، وأدى إلى تفاقم الانقسامات مع الدولة ومع فئات واسعة من المجتمع.
المصالحة معهم، إن كانت ممكنة، ستتطلب إعادة بناء الثقة وإعادة صياغة الخطاب والأهداف بشكل يتماشى مع تطلعات الشعب والمجتمع المدني.
لو عاد بك الزمن إلى عام 2011، هل ترى أن الثورة كانت تحتاج إلى قيادة سياسية واضحة لتوجيهها بشكل أفضل؟
ليس الأمر متعلقًا بفكرة وجود قيادة سياسية تقود الثورة، لأن القيادة السياسية لثورة شعبية يمكن أن تأخذ أشكالًا وأنماطًا متعددة. يمكن أن يكون هناك تنظيم أو حزب يعمل على دعم الثورة وتوجيهها بشكل أو بآخر، وهو ما قد يكون ضروريًا في بعض الحالات.
لكن بالنسبة للثورة المصرية، فقد كانت انتفاضة شعبية حقيقية وثورة جماهيرية عفوية على الأرض، وهذا النوع من الثورات يصعب أن يكون له قيادة محددة منذ البداية. ما كان يجب أن يحدث بعد تنحي مبارك هو تحقيق نوع من الوفاق السياسي بين جميع الأطراف على الساحة.
للأسف، هذا لم يتحقق. الجماعات الإسلامية، وتحديدًا الإخوان المسلمين، اختارت أن تسلك طريقًا مختلفًا. بدلاً من بناء توافق وطني حقيقي، لجأوا إلى التحالف مع النظام في محاولة لتحقيق مكاسب خاصة.
ومن هنا بدأت المهزلة التي شاهدناها لاحقًا، حيث تحول الحلم الشعبي بالحرية والديمقراطية إلى صراع على السلطة، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات وفشل الثورة في تحقيق أهدافها الأساسية.