في زمنٍ أصبحت فيه الحقيقة مُحاصرة، والخبر يُصنع قبل أن يُنقل، ووسائل الإعلام تتسابق ليس على كشف الحقائق، بل على صناعة الإثارة.. كان لا بد من تجربة تُعيد التوازن.قبل عام من اليوم ، وُلدت “الحرية”. لا كمنصة عادية تنقل الأخبار، ولا كنافذة تُردد ما يُقال في الدوائر المغلقة، بل كحالة صحفية مختلفة، تؤمن بأن الصحافة ليست مهنة نقل الكلمات، بل فن طرح الأسئلة الصعبة، وإعادة بناء الثقة بين القارئ والمعلومة.اليوم، ونحن نُطفئ شمعة العام الأول، يبقى السؤال الأهم: ماذا غيّرت “الحرية”؟ وهل لا يزال هناك متّسع لصوتٍ يرفض أن يكون جزءًا من الضجيج؟.
أخطر ما يُمكن أن يحدث لأي مجتمع هو أن يُصبح الوصول إلى الحقيقة رفاهية، أو أن تتحوّل حرية الرأي إلى تهمة يُحاسب عليها صاحبها.
منذ اللحظة الأولى، رفضت “الحرية” أن تكون جزءًا من حالة الإعلام الخاضع لمنطق “ما يُناسب أن يُقال”، وبدلًا من ذلك، اتخذت طريقًا أبسط.. أن تُقدم للناس حقهم في المعرفة، دون تزييف أو انتقاء، ودون أن تبيع لهم الوهم في عناوين براقة تُخفي وراءها فراغًا مدويًا.
وهنا يأتي السؤال…ماذا قدّمت الحرية خلال عام؟
اولا : صحافة تحترم عقل القارئ.. وليس “التريند”
كم مرة فتحتَ خبرًا يحمل عنوانًا مثيرًا، لتكتشف بعد القراءة أنك لم تحصل على أي معلومة جديدة؟
كم مرة شعرت أن الإعلام بات أقرب إلى لعبة تُحركها المصالح أكثر مما تحركها الحقيقة؟
“الحرية” قررت أن تأخذ الطريق الأصعب.. أن تحترم القارئ.
• لا عناوين خادعة، لا أخبار مجتزأة، ولا محاولة لصناعة بطولات زائفة.
• لا ترويج للأكاذيب ولا انسياق خلف “ما يطلبه الممولون”.
• لا تحيّز إلا للحقيقة، حتى لو كانت غير مريحة.
“الحرية” ليست موقعًا يسعى لجذب الأرقام بقدر ما يسعى لصناعة وعي.
ثانيا : لا رأي واحد.. لا صوت واحد :
منذ متى أصبح الاختلاف يُنظر إليه كجريمة؟ ومنذ متى صار الإعلام مرآة تعكس وجهة نظر واحدة، بينما يُقصى كل من لا يتفق معها؟
“الحرية” جاءت لتكسر هذه القاعدة.
• كل الآراء وجدت مكانها، ليس لأننا نتفق معها، ولكن لأننا نحترم الحق في الاختلاف.
• لم يُمنع كاتب من التعبير عن رأيه، حتى لو كان مزعجًا للبعض، لأن الصحافة الحقيقية لا تعمل بمنطق الإقصاء.
• لم نبحث عن الصوت الذي يتحدث بما يتناسب مع سياسة التحرير، بل عن الرأي الذي يُضيف للقارئ قيمة.
“فالحرية” ليست ساحةً للضجيج.. بل مساحة للحوار الحقيقي.
ثالثا: المعلومة حقٌ لا يُباع ولا يُشترى :
حين تكون المعلومة خاضعة للتفاوض، تفقد الصحافة جوهرها.
“الحرية” لم تكن يومًا للبيع.
• لم نضع الحقيقة على طاولة المساومات.
• لم نخضع للضغوط من أي طرف.
• لم نسمح بأن يكون القارئ آخر من يعلم، أو أن تُحجب عنه المعلومات التي يحتاجها ليفهم الواقع كما هو.
لهذا السبب، كانت “الحرية” أكثر من مجرد موقع.. كانت تجربة في استعادة جوهر الصحافة كما يجب أن تكون.
وهنا ايضا نأتي لسؤال جديد… ماذا بعد العام الأول؟
قد يسأل البعض: والآن، بعد عام من التحدي.. إلى أين؟
الإجابة بسيطة: الرحلة لم تبدأ بعد.
• ما زلنا نؤمن بأن الإعلام القادر على الصمود هو الإعلام الذي لا يُهادن في مبادئه.
• ما زلنا نؤمن أن الصحافة لا تُدار كصفقات، بل كمسؤولية.
• ما زلنا نؤمن أن من حق القارئ أن يحصل على الحقيقة، لا على ما يُسمح له بسماعه.
الاحتفال الحقيقي ليس في أننا أكملنا عامًا، بل في أننا لا نزال مُصرّين على البقاء أوفياء للمبدأ الأول: أن تكون “الحرية”.. فعلًا لا مجرد اسم.
والأهم.. أننا لا نزال نؤمن أن الصحافة الحرة لم تمت بعد.