منذ اللحظة التي طُرح فيها اسم “بيت هيجست” كمرشحًا لمنصب وزير الدفاع الأمريكي، ارتفعت الأصوات المعارضة من مختلف الأطياف السياسية داخل الولايات المتحدة، فضلاً عن القلق العميق الذي انتاب الأوساط الدولية، خصوصًا في الدول الإسلامية. هذا الرجل ليس مجرد جندي سابق أو مذيع في “فوكس نيوز”، بل هو تجسيد حي لعقيدة صليبية متطرفة، يراها البعض امتدادًا لمفاهيم الحروب الدينية التي اعتقد كثيرون أنها ولَّت منذ العصور الوسطى.
من هو بيت هيجست؟
بيت هيجست وُلد عام 1980، وكان جنديًا في الجيش الأمريكي، خدم في العراق عام 2005، واشترك في العمليات الخاصة التي وثّقت منظمات حقوق الإنسان العديد من انتهاكاتها بحق المدنيين. كما كان مسؤولًا في معتقل غوانتانامو، حيث ارتُكبت انتهاكات مروعة بحق المعتقلين، وهو نفسه أحد المدافعين عن هذه الممارسات غير الإنسانية. لكن الأخطر من ذلك، أنه لم يكن مجرد عسكري ينفذ الأوامر، بل كان يحمل أيديولوجية متطرفة تتغذى على كراهية الإسلام.
الكراهية المعلنة للإسلام والمسلمين
في كتابه “الحملة الصليبية الأمريكية: طريقنا للبقاء أحرارًا”، يُظهر هيجست مستوى غير مسبوق من العداء للإسلام كدين وليس فقط لبعض الجماعات المتطرفة. ففي الفصل الثاني عشر من الكتاب، لا يكتفي بالادعاء بأن الإسلام دين خطير، بل يرى أن أي نهضة إسلامية تمثل تهديدًا مباشرًا للحضارة الغربية. إنه لا يتحدث عن إرهاب أو مجموعات مسلحة، بل عن الإسلام ذاته، ويصفه بأنه “دين يستوجب المقاومة التامة”.
الأخطر من ذلك أنه يعتبر الحملات الصليبية نموذجًا يُحتذى به، ويدعو إلى تكرارها بمفهوم حديث، مدعومًا بالقوة الأمريكية والإسرائيلية.
وصل الأمر إلى حد وصف “لورنس العرب”، أحد أبرز العملاء البريطانيين في تفكيك الدولة العثمانية، بأنه كان “رومانسيًا” في تعامله مع المسلمين، في إشارة إلى أن ما فعله لم يكن كافيًا!.
التطرف مرسوم على جسده
ربما كان من الممكن اعتبار هذه التصريحات مجرد تطرف فكري، لكن الوشوم التي تغطي جسد هيجست تكشف أكثر عن عقيدته. أبرزها وشم “صليب القدس”، الذي كان شعار مملكة القدس اللاتينية التي أسسها الصليبيون بعد المذابح المروعة التي ارتكبوها في القدس عام 1099. وعلى صدره أيضًا وشم بعبارة “Deus Vult” (إنها إرادة الرب)، وهو الشعار الذي استخدمه البابا أوربان الثاني عندما دعا للحملات الصليبية الأولى.
ببساطة، نحن أمام رجل لا يخفي نواياه، بل يعلنها بكل فخر: إنه يؤمن بالحروب الدينية، ويرى أن الإسلام عدوٌّ يجب القضاء عليه، ويعتبر نفسه امتدادًا للحملات الصليبية القديمة.
ترامب وهيجست: دويتو التطرف والكراهية
ترشيح شخص بهذه المواصفات لمنصب وزير الدفاع يعكس بدقة رؤية الرئيس الأمريكي الجديد، الذي أثبت منذ حملته الانتخابية أنه يتبنى خطابًا عدائيًا تجاه الإسلام والمسلمين. ترامب، الذي وعد بحماية “أمريكا البيضاء”، لم يجد أفضل من هيجست ليكون رأس حربته في تنفيذ هذه الرؤية.
لكن السؤال الأهم: كيف سيكون تعامل الدول الإسلامية مع وزير دفاع بهذه العقلية؟
وزراء الدفاع في العالم الإسلامي: بين التبعية والمقاومة
في العالم الإسلامي، وزراء الدفاع غالبًا لا يُعرفون بمواقفهم المستقلة، بل يعكسون سياسات حكوماتهم، التي تتفاوت بين التبعية المطلقة لواشنطن، ومحاولات الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقلالية. لكن التعامل مع هيجست يجب أن يختلف تمامًا.
*. الدول الموالية لأمريكا: ستجد نفسها في موقف محرج، إذ أن الاستمرار في التعاون العسكري مع إدارة تعلن صراحة عداءها للإسلام سيضع هذه الدول أمام شعوبها في مواجهة صعبة. فكيف يمكن أن تبرر أنظمة عربية وإسلامية التنسيق العسكري مع شخص يرى في دينها عدوًا يجب سحقه؟
*. الدول المستقلة: عليها أن تستغل هذا التعيين لإعادة النظر في سياساتها الدفاعية. فالولايات المتحدة اليوم ليست مجرد قوة عالمية، بل أصبحت بقيادة أشخاص مثل هيجست خطرًا مباشرًا على الهوية الإسلامية، وبالتالي فإن الاستثمار في بدائل استراتيجية أصبح ضرورة وليس ترفًا.
*. المقاومة المسلحة: وفقًا لاتفاقية الدفاع العربي المشترك، يحق لأي عربي الانضمام للمقاومة ضد أي عدوان خارجي، ويحق للدول العربية تزويد المقاومة بالسلاح علنًا دون خوف. في ظل قيادة أمريكية تتبنى خطابًا صليبيًا، تصبح هذه الاتفاقية أكثر أهمية من أي وقت مضى، فالمعركة لم تعد سياسية فقط، بل أصبحت ذات أبعاد دينية وحضارية.
ما الذي يجب أن نفعله؟
إن وجود شخص مثل هيجست في قيادة الجيش الأمريكي ليس مجرد حدث عابر، بل هو ناقوس خطر يجب أن يدفع العالم الإسلامي إلى إعادة ترتيب أوراقه. علينا أن ندرك أن المشكلة ليست فقط في أمريكا، بل في طريقة تعاملنا معها.
فإما أن نستمر في النهج القديم من التبعية والضعف، أو ندرك أن العالم يتغير، وأن قوتنا الحقيقية تكمن في وحدتنا، واستقلال قرارنا، واستعدادنا للمواجهة، لا للخضوع.
“لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر”.