يشهد الشرق الأوسط تحولات استراتيجية كبرى في ظل استمرار الحرب في غزة، وتصاعد التوترات الإقليمية، وتغير السياسات الدولية. في هذا السياق، تبرز عدة تساؤلات حول قدرة إسرائيل على الصمود في مواجهة مقاومة متزايدة التنظيم، وكذلك حول تأثير التغيرات المحتملة في المواقف الإقليمية، لا سيما في حالة حدوث تحولات سياسية في دول محورية مثل مصر. العالم اليوم ليس كما كان أيام الاحتلال الأوروبي، فقد تغيرت موازين القوى، وأصبحت التكنولوجيا والتطورات غير التقليدية قادرة على قلب الموازين في لحظات، حتى دون الحاجة إلى قوة نووية.
إسرائيل أمام واقع استراتيجي جديد
هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية
إسرائيل تعتمد بشكل أساسي على جيش الاحتياط، وهو ما يجعلها غير قادرة على تحمل حروب طويلة تؤثر على الاقتصاد والمجتمع. فالتوترات الداخلية، والانقسام السياسي، وتراجع ثقة الجمهور في القيادة السياسية، كلها عوامل تضعف قدرة إسرائيل على إدارة صراع ممتد. ومع زيادة الهجرة العكسية خلال الأزمات، قد تواجه إسرائيل تحديات تتجاوز البعد العسكري.
محدودية القدرة العسكرية في حرب متعددة الجبهات
رغم التفوق العسكري الإسرائيلي، فإن فتح جبهات متعددة، مثل غزة ولبنان وسوريا وربما اليمن، سيضعف القدرة الإسرائيلية على الاستجابة الفعالة. فحزب الله وحده يمتلك ترسانة صاروخية قادرة على إلحاق ضرر بالغ بالعمق الإسرائيلي، في حين أن إيران وحلفاءها يمتلكون قدرات على استنزاف إسرائيل استراتيجيًا.
الاعتماد على الدعم الغربي
إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي والأوروبي، ولكن مع تزايد الأزمات العالمية، بما في ذلك الصراع بين الغرب والصين وروسيا، قد يصبح هذا الدعم مكلفًا سياسيًا واقتصاديًا.
استراتيجيات مواجهة القبة الحديدية وإضعاف القوة الجوية الإسرائيلية
رغم أن القبة الحديدية أثبتت فعاليتها في اعتراض الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، إلا أن هناك استراتيجيات عسكرية يمكن أن تحد من فعاليتها:
إرهاق القبة الحديدية بالصواريخ الوهمية: يتم إطلاق رشقات ضخمة من الصواريخ البدائية أو الوهمية، ما يؤدي إلى استنزاف الذخائر الاعتراضية.
تجاوز القدرة الاستيعابية: إطلاق عدد كبير من الصواريخ يفوق قدرة النظام الدفاعي على التعامل معها.
استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية: يمكن لهذه المسيرات أن تهاجم الدفاعات الجوية والمطارات العسكرية الإسرائيلية، مما يقلل من القدرة الجوية الإسرائيلية على الرد.
تلفيم السماء بالمسيرات الانتحارية: في ظل التقدم الرهيب في تكنولوجيا المسيرات، أصبحت استراتيجية إغراق الأجواء بالمسيّرات الانتحارية وسيلة فعالة لتحييد سلاح الجو الإسرائيلي، مما يحد من قدرة إسرائيل على المناورة العسكرية.
تحولات جيوسياسية تهدد النفوذ الأمريكي والغربي
أمريكا لم تعد قادرة على الهيمنة المطلقة
مع تصاعد التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة، مثل الصراع مع الصين، والحرب في أوكرانيا، والأزمات الاقتصادية الداخلية، قد تتراجع أولوية دعم إسرائيل في السياسات الأمريكية، مما قد يؤثر على قدرة إسرائيل في الحفاظ على تفوقها العسكري.
تغير التوجهات الإقليمية – ماذا لو تحركت مصر؟
مصر تُعد ركيزة أساسية في التوازن الإقليمي، وأي تحول في سياساتها قد يعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة. في حال حدوث تغيير سياسي جذري في مصر، فقد تتحول من سياسة الاحتواء إلى سياسة المواجهة، مما قد يؤدي إلى تداعيات استراتيجية خطيرة على إسرائيل. العالم لم يعد كما كان، ولم يعد من الممكن فرض السياسات بالقوة كما حدث في الماضي، واليوم يمكن لشاب واحد أن يخترق أنظمة الأمن ويقلب معادلات القوة دون الحاجة إلى أسلحة تقليدية.
تصاعد دور القوى غير التقليدية
اليمن أصبح لاعبًا إقليميًا مؤثرًا، حيث أظهر قدرته على تهديد المصالح الإسرائيلية عبر البحر الأحمر، مما يضيف بعدًا جديدًا للصراع. كما أن تصاعد نفوذ إيران في المنطقة يعزز من قدرات محور المقاومة، وهو ما يضع إسرائيل أمام تحديات غير مسبوقة.
العالم يتغير – والغرب ليس مستعدًا للمستقبل
الغضب العالمي ضد الهيمنة الغربية
أمريكا نفسها معرضة للانهيار، وأي حرب عالمية ستؤدي إلى انتفاض العالم ضد المصالح الأمريكية والغربية، وذلك كجزء من الثأر التاريخي من أيام الاحتلال البريطاني والأوروبي للعالم الثالث. هذا الظلم والاستغلال الاقتصادي والنهب المستمر خلق حالة احتقان عالمي، ولم تعد الشعوب تحتمل وجود هذا الإجرام الأوروبي.
اقتصاد الغرب في مأزق
الضغوط الاقتصادية العالمية، بما في ذلك التضخم، الديون السيادية، وتراجع هيمنة الدولار، تضعف قدرة الغرب على فرض سيطرته على العالم كما كان في السابق. لم يعد بإمكانهم إدارة الحروب بسهولة كما في الماضي، فالشعوب لم تعد تقبل بهذه الهيمنة، وبدأت تتجه نحو مقاومة النفوذ الغربي بوسائل متعددة، من الحروب الاقتصادية إلى التكنولوجيا الحديثة.
أدوات جديدة للمواجهة
لم يعد السلاح النووي هو الأداة الوحيدة لخلق التوازنات، بل أصبحت التكنولوجيا، والاختراق السيبراني، والطائرات المسيّرة، والحروب غير التقليدية أدوات قادرة على تغيير موازين القوى. اليوم، يمكن لشاب متمرس في الأمن السيبراني أن يوجه ضربة أقوى من قنبلة نووية، وهذه الحقيقة تدركها الأنظمة الغربية جيدًا، وهو ما يثير قلقها المتزايد.
التطورات الجارية في الشرق الأوسط تشير إلى أن إسرائيل لم تعد تتمتع بنفس المستوى من التفوق الذي ميزها في العقود الماضية. ومع تصاعد التهديدات الداخلية والخارجية، فإن قدرتها على الحفاظ على استقرارها أصبحت موضع تساؤل. في المقابل، فإن أي تغيرات إقليمية، لا سيما في مصر، قد تكون عاملاً حاسمًا في إعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة. العالم تغيّر، ولم يعد بإمكان الغرب وإسرائيل الاستمرار في نفس السياسات القديمة دون دفع ثمن باهظ.