لا شك أن التعليم هو حجر الزاوية الأساسي الذي تقوم عليه تلك الطفرة المطلوبة، ولا بد أن نكون منصفين ونحن نتحدث عن مشاكل الوطن والصعوبات التي تواجه تقدمه، فتجميل المشهد هو نوع من الأسى أيضاً، فقد أصبحنا مدمني كتابة الاستراتيجيات، بدايتها رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، واستراتيجية حقوق الإنسان واستراتيجيات في الصناعة والسياحة والتعليم وفي كل المجالات والمناحي وضعنا الخطط ورسمنا الآمال العريضة، وأطلقنا لخيالنا العنان ليحلم ويتمنى ويأمل في مستقبل مشرق، ومصرنا ناهضة في كافة المجالات.
فتخيلنا ونحن ندرك أهمية ما نمتلك من مقومات وإمكانيات طبيعية وبشرية قادرين على تغيير المشهد المأساوي الذي نعيشه إلى دولة تحقق الرفاهية لمواطنيها.
ونسينا أن صفقة رأس الحكمة كانت طوق نجاة، وأخرجتنا من العناية المركزة إلى غرفة مجاورة لغرفة الإفاقة أكثر هدوءاً لكن الخطر ما زال يحيط بها من كل جانب، لم يكتب لنا الخروج من تلك الدائرة الضيقة ولم نقترب للخروج من عنق الزجاجة بعد فما زالت خسائرنا مرهقة.
لذا علينا أن نتحول من تدوين الاستراتيجيات إلى مرحلة الفعل والعمل، فكل ما تم تدوينه رائع ولكنه أحلام على الورق، ومبادرة بداية هي أحلام أخرى على الورق، وعوضاً عن تلك المبادرة التي غرضها نبيل وتسعى إلى توفير وتقديم خدمات صحية وتعليمية ممتازة للمواطن، وتسعى لتمكين المرأة والشباب وتأهيلهم ودمج ذوي الهمم، وتوفير حياة كريمة لكبار السن وتوسيع دائرة الحماية الاجتماعية ليصل الدعم إلى مستحقيه.
فإن كنا سنسير على خطى المبادرات فيجب أن يتم إلغاء الحكومة، فلا داعي لوجود وزارة الشباب والتضامن والصحة والتعليم والتعليم العالي ووزارة التنمية المحلية، وغيرها من الوزارات ونظل تحت مظلة الاستراتيجيات والمبادرات.
فما هو دور وزارة الصحة إن لم تسعَ جاهدة إلى توفير رعاية طبية فائقة للمصريين، وتشملهم مظلة التأمين الصحي، وتقضي على قوائم الانتظار، وتهتم بتطوير الوحدات الصحية بالقرى والأماكن النائية وغيرها من الواجبات التي يجب أن تقوم بها الوزارة لتحقيق الرعاية الصحية لمواطنينا، وننسى أننا الآن نعاني من نقص في الأدوية وخصوصاً الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة فأي طريق نسير فيه.
وعلى غرار وزارة الصحة ما هو دور وزارة الشباب والرياضة وزارة التعليم والتعليم العالي والأوقاف ووزارة التموين ووزارة التضامن الاجتماعي وغيرها من الجهات الحكومية المسؤولة عن تقديم خدمات للمواطن، فمن حق المواطن المصري الذي تحمل الكثير من الضغوط أن يجد من يحنو عليه، وأن لا يُترك فريسة للضغوط القاسية من غلاء في الأسعار وتدني الخدمات المقدمة إليه، بل أحياناً يصعب عليه الحصول عليها من الأساس.
علينا أن نعي أننا نسير في طريق التنمية ببطء شديد، لأننا لم نتخلص من الإرث القديم الملازم لنا من الروتين والبيروقراطية والفساد.
وإن أردنا الخروج من عنق الزجاجة يجب أن نعالج مشاكلنا وأن نواجهها بجدية، وأن نكسب ثقة المواطن في حكومته ووعودها التي لا تنتهي ولم يتحقق منها شيء.
المواطن الذي تحمل كل إجراءات الإصلاح الاقتصادي، ولم يعد عليه سوى غلاء فاحش في الأسعار، لن يستطيع أن يتحمل تعويماً جديداً، ولن يتقبل وعوداً جديدة، مادامت كل المسارات التي تسير فيها حكومته خاطئة، وواقعه أصدق من كل الوعود.
يجب أن نبدأ بثورة في التعليم، وثورة على القوانين الرجعية التي تعوق التقدم، ثورة ضد الروتين، ثورة ضد معوقات الاستثمار والصناعة والسياحة، ثورة ضد كل ما يقف حاجزاً ضد تقدمنا ونهضتنا.
لقد وضعنا الروشتات (الاستراتيجيات والحلول) لتطوير كل مناحي حياتنا، فالدواء مر وسنتحمل مرارته وسنواجه مشاكلنا بكل ثقة لنخرج من عنق الزجاجة إلى رحابة العالم المتقدم الناهض، علينا فقط أن نخرج من الغرف المغلقة إلى رحابة الوطن لنعمل ونبني ونحل كل ألغاز عثراتنا.
فأرجو أن نكف عن إطلاق المبادرات ولتقم كل جهة بمسؤولياتها ودورها المنوط بها أن تؤديه، وإن لم يحدث فلتغلقوا أبوابهم لنعيش تحت مظلة مبادراتكم.