في البداية أحب أن أشكر الصديق عصام الشريف على محاولاته الدؤوبة والإصرار على النجاح في مهنة الكوارث وليس فقط المصاعب حاليا ، ولا أنسى أن أوجه الشكر للصديق العزيز عمرو بدر الذي بدأ مع عصام هذه النافذة المحببة لقلبي وقلوب كل باحث عن الحرية.
لي حديث عن أول مرة التقيت فيها عصام الشريف في لقاء مع المجلس العسكري بعد الثورة لكن بنهاية المقال . أختار عصام يوم 11 فبراير ليكون موعدا لانطلاقة جديدة لموقع الحرية وهو اختيار رائع أحييه عليه، لكن قبل ذلك سوف أسرد ذكرياتي مع هذا اليوم كما طلب عصام نفسه حيث أراد أن نذكر مصر كلها من خلال “الحرية” بيوم تنحي حسني مبارك عن حكم مصر والذي ربما يكون الانتصار الوحيد الملموس الذي حققته الثورة.
لم أجد صعوبة مع ذكرياتي في هذا اليوم بتفاصيله الدقيقة لأن لي كتاب اسمه “100 قصة من الميدان” صدر عام 2012 عن دار هلا للنشر، يحمل قصتي ومعها عشرات القصص الأخرى لأشخاص آخرين من قلب الميدان، فقط رجعت إلى الكتاب وإليكم تلخيصا لما حدث لي خلال هذا اليوم:
“كنت على وشك العودة للمنزل لاستريح وأنام في سريري لأجدد نشاطي وربما أكتب أيضًا منشورا جديدًا خوفا من أن يتسرب الاحباط للشباب لكن الأخبار التي تتردد طوال اليوم عن تنحي مبارك جعلتني انتظر رغم حالة الاجهاد الكبيرة نتيجة عدم النوم لأكثر من 40 ساعة.. قررت أن انتظر لأسمع كلمة حسني مبارك لأن الاحتفال بالنصر في ميدان التحرير سوف يكون له شكل آخر ثم أعود للمنزل لكي استعد لمليونية الجمعة وجلست مع مجموعة الشباب في شارع شامبليون ثم ذهبت لمحل أبو خالد بتاع الكباب والكفته لأسمع جيدا للكلمة وبعد أقل من نصف دقيقة لمبارك بدأت ملامح الاحباط على الجميع وبدأت الشتائم ضد مبارك وبمجرد انتهاء الكلمة انطلقت في شارع شامبليون ومعي المئات كانوا يستمعون للخطاب على المقاهي أجد نفسي وجميع من معي نردد هتافا واحد “خلاص .. عالقصر رايحين شهداء بالملايين” .
كنت أهتف وأنا ابكي وفجأة جاءتني فكرة محاصرة ماسبيرو فقلت بصوت عال جدا ماسبيرو – ماسبيرو فردد معي كثير من الشباب ماسبيرو لكي نتوجه إلى مبنى التليفزيون ونحاصره وبالفعل توجهت مع مئات من الشباب إلى ماسبيرو بينما توجه آخرون إلى قصر الرئاسة في مصر الجديده ولا أخفي عليكم أنتي كنت أتمنى الذهاب معهم إلى القصر لكن الإرهاق منعني، المهم وصلنا إلى مبنى التليفزيون وكنت غاضبا جدا لدرجه جعلتني أصرخ في وجه أحد ضباط الجيش الكبار وقلت له “حرام عليكم أنتوا محايدين ليه أنتم مهمتكم حماية مصر مش حسني مبارك.. حرام عليكم مفيش حاجة أسمها محايدين وأنتم بتحموا نظام فاسد وأحنا مش هنسكت” الغريب أن الضابط وجدني أمسك السلك الشائك بيدي فقال لي بكل هدوء “خلي بالك عشان متتعورش”
كان عددنا لا يزيد عن عدة مئات فاتصلت بدكتور مرسي منصور في الميدان لكي يتحدث في إذاعه الميدان ويرسل لنا كتيبة من الشباب لا يقل عددها عن 5 آلاف شخص لنحاصر التليفزيون وهو ما فعله فورًا وبالفعل بدأ يتدفق الشباب إلى ماسبيرو وبدأ حصار التليفزيون ومنع أي موظف في التليفزيون الكاذب من الدخول أو الخروج من المبنى.
قابلت صحفيًا كبيرًا أمام التليفزيون اسمه تيم فيليبس يعمل في صحيفة “لوس انجلوس تايمز” سألني عدة أسئلة وعندما سألته منذ متى وأنت هنا قال لي منذ 28 يناير فقلت له ومتى تغادر مصر قال عندما يرحل مبارك وأبتسم.
لم يكن يوما كباقي أيام الثورة لأننا جميعا كنا نترقب ما يحدث لحظة بلحظة وكنا نفكر في كل طريقة نتخلص بها من حسني مبارك ولم يكن هناك أي خوف من المجهول لأنك عندما لا تخشى الموت ولا تحب الدنيا يصبح كل شيء سهلاً وهينًا وهو ما حدث بالفعل عندما توجه آلاف الشباب إلى قصر الرئاسة وتوجهنا نحن إلى ماسبيرو وحاصرنا المبنيين وظلت الساعات تمر دون أي جديد حتى وجدت الشباب يصرخون ونحن أمام ماسبيرو تقريبًا في السادسة مساءً من الفرح ويقولون ” تنحى .. تنحى ” لكني لم أصدق وحاولت الاتصال بأكثر من مصدر وأخيرًا اتصلت بالأستاذ مجدي غريب صديقي ومدير الأخبار بالتليفزيون ليؤكد لي الخبر وقبل أن يكمل جملته بعد كلمة تنحى وأعلنها عمر سليمان سجدت لله شكرًا ووقفت أبكي أمام الكورنيش وأنا لا أصدق أننا نجحنا في الاطاحة بصنم مبارك الذي جثم على صدور المصريين عشرات السنين وكنت أرتدي تي شيرت مكتوب عليه 25 يناير وبعد أقل من ربع ساعه خرج المصريون جميعا إلى الشوارع يحتفلون بالنصر حتى من لم يشارك في أي لحظة من لحظات الثورة خرج فرحا يحتفل معنا وتعالت صيحات الفرح في سماء وسط البلد.
الكوميدي أنني كنت أسير مع مجموعه من الشباب وكان بينهم الشاب محمد الفرماوي يرتدي نفس “التي شيرت” الذي ارتديه فاستوقفتنا مجموعه من الأسر لكي يأخذوا صورا تذكارية معنا فاندهش الفرماوي جدا ! فرد عليه الشباب ساخرين “خلاص يا فرماوي بقيت أشهر من أبو تريكه بقيت نجم كبير” فرد عليهم محمد وقال والله أنا افتكرت دلوقتي كلامك يا أستاذ عامر وأنت بتقول لي يوم 25 يناير “أوعى تخاف أنت النهاردة بتصنع تاريخ جديد لمصر”
بالفعل صنع هؤلاء الشباب ببساطتهم وطردهم للخوف وحبهم لمصر تاريخا جديدا استحقوا عليه أن يكونوا هم نجوم مصر الحقيقيين وليس نجوم كرة القدم ونجوم السينما وهو ما أكدته لهم وسوف أظل أؤكده.
هكذا انتهت قصتي مع يوم التنحي 11 فبراير وبعدها بدأت قصص كثيرة جدًا لي منها مع جماعة الإخوان التي اصطدمت بها مبكرا وتآمر عدد من قيادتها ضدي وحاولوا تشويه صورتي كثيرًا وهو ما أرض سرده منذ الإطاحة بهم وتعرض المئات منهم للظلم لكن مع انتهاء ما يحدث معهم ربما أحكي عن ظلمهم لي.
أما قصتي مع المجلس العسكري فأحكي جدًا منها هنا لأنها ترتبط بأول تعارف بيني وبين رئيس تحرير موقع الحرية عصام الشريف، قابلت عصام خلال لقاء مع عضوي المجلس العسكري الحاكم لمصر عام 2011 عندما كانوا يجلسون مع عدد من الشباب البارزين في الثورة، يومها والذي لا أذكر إن كان في شهر مايو أو يونيو 2011 جلسنا مع اللواء محمد العصار واللواء محمود فوزي، وجدت عصام يتحدث بثبات وقوة وترتيب رائع، وأشهد هنا أنه لم يساوم ولو يلمح لأي تنازل عن هدف من أهداف ثورة يناير.
لم نلتق كثيرًا بعدها سوى في المناسبات الكبرى لكن عصام ترك انطباعا طيبا في قلبي، نتحدث أحيانا بشأن الموقع فأجد منه حماسة الشباب مع عقلانية الكبار الذين يعرفون بأي موضع يضعون أقدامهم.
نجاح “الحرية” هدف لكل باحث عن نافذة للصحافة الحقيقية، لذلك أشد على أيدي كل العاملين بالحرية لأنهم يحاولون إعادة بصيص من الأمل لنا وللصحافة فبدون الحرية لا يمكن للصحافة أن تتنفس، ولن تحيا سوى هذه الصحافة الملوثة التي تحيط بنا وتساهم في مأساة مصر . لو أراد هؤلاء الممسكون بزمام كل شيء في مصر انتشال بلادنا مما هي فيه فعليهم فتح النوافذ، وها هو موقع الحرية يطرق الأبواب لتقديم صحافة تليق بالشعب المصري فهل من مستجيب؟