تتميز مصر بظاهرة فريدة تتجلى في لحظات الأزمات والتحديات الخارجية، وهي قدرة الشعب المصري على الاصطفاف خلف دولته ومؤسساتها بغض النظر عن الخلافات السياسية الداخلية.
هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكم تاريخي وثقافي عميق، يبرز بقوة عندما تواجه مصر تهديدات خارجية تمس أمنها القومي أو مصالحها الحيوية.
يتجلى هذا الاصطفاف في مواقف عديدة شهدها التاريخ المصري الحديث، ففي أزمة السويس عام 1956، التف الشعب المصري بكافة أطيافه حول قرار التأميم، متحدين في مواجهة العدوان الثلاثي. وخلال حرب أكتوبر 1973، تجاوز المصريون خلافاتهم الداخلية، مقدمين الدعم الكامل للقيادة السياسية والعسكرية في معركة استعادة الأرض والكرامة.
في العصر الحديث، برزت هذه الظاهرة بوضوح خلال أزمة سد النهضة الإثيوبي. فرغم الانقسامات السياسية الداخلية، وقف الشعب المصري صفًا واحدًا خلف موقف الدولة في المفاوضات، مدركًا خطورة التهديدات المائية على الأمن القومي المصري.
هذا الموقف الموحد منح القيادة المصرية قوة تفاوضية إضافية على الساحة الدولية.
إن هذا الاصطفاف لا يعني غياب الاختلافات الداخلية أو تجاهلها، بل يعكس وعيًا جمعيًا بأولوية الأمن القومي والمصالح العليا للدولة على الصراعات السياسية الداخلية؛ فالمصريون، على اختلاف توجهاتهم، يدركون أن قوة الدولة ووحدة موقفها في مواجهة التحديات الخارجية هي الضمانة الأساسية لحماية مصالحهم الجماعية والفردية.
تلعب عدة عوامل دورًا في تعزيز هذه الظاهرة، فالخبرة التاريخية المتراكمة علمت المصريين أن الانقسام الداخلي في أوقات الأزمات الخارجية يمكن أن يكون مكلفًا للغاية.
كما أن الشعور العميق بالانتماء للوطن، والذي يتجاوز الانتماءات الحزبية أو الأيديولوجية، يدفع المصريين إلى تغليب المصلحة الوطنية في لحظات المواجهة مع الأخطار الخارجية.
تساهم وسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية في تعزيز هذا الاصطفاف من خلال تقديم تحليلات معمقة للتحديات الخارجية وتوضيح أبعادها الاستراتيجية. هذا الدور الإعلامي والمؤسسي يساعد في خلق وعي جمعي بطبيعة التهديدات وأهمية الموقف الموحد في مواجهتها.
من الجدير بالذكر أن هذا الاصطفاف لا يعني بالضرورة تأييدًا مطلقًا لكل سياسات الدولة، بل هو موقف براغماتي يتبناه الشعب المصري إدراكًا منه لخطورة الانقسام في مواجهة التحديات الخارجية، فحتى المعارضة السياسية، في كثير من الأحيان، تؤجل خلافاتها مع النظام الحاكم لدعم موقف الدولة في القضايا المصيرية.
ومع ذلك، فإن هذه الظاهرة لا تخلو من تحديات، فهناك خطر استغلال مفهوم الاصطفاف الوطني لقمع الأصوات المعارضة أو تجاهل القضايا الداخلية الملحة. لذا، فإن التحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على هذه القدرة على الاصطفاف في أوقات الأزمات الخارجية، مع ضمان استمرار الحوار الداخلي البنّاء حول القضايا الوطنية.
في المستقبل، ومع تزايد التحديات الإقليمية والعالمية، ستظل قدرة مصر على الاصطفاف خلف دولتها في مواجهة الأخطار الخارجية عاملًا حاسمًا في حماية أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية. هذه القدرة، التي تجمع بين الوعي الجمعي والمسؤولية الوطنية، ستظل سمة مميزة للمجتمع المصري، تمنحه القوة والمرونة اللازمتين لمواجهة تحديات المستقبل بثبات وعزيمة.
إن قدرة مصر على الوقوف “على قلب رجل واحد” في مواجهة الأخطار الخارجية تعكس عمق الوعي الوطني وقوة الانتماء لدى الشعب المصري.
هذه الخاصية الفريدة، التي تتجاوز الخلافات السياسية الداخلية في لحظات الأزمات، تشكل ضمانة أساسية لاستمرار مصر كدولة قوية وموحدة في وجه التحديات الإقليمية والدولية.
وفي حين أن الحفاظ على التعددية السياسية والحوار الداخلي يبقى ضروريًا لتطور المجتمع، فإن قدرة المصريين على الاصطفاف خلف دولتهم في الأوقات الحرجة تظل مصدر قوة وفخر وطني، يمكّن مصر من مواجهة كافة التحديات بثبات وعزم.