ما لا تعرفه عن نساء غزة في عام مضى: قصص من قلب المعاناة والأمل في خضم الدمار والفوضى التي اجتاحت قطاع غزة خلال العام الماضي، برزت قصص نساء تحدين الموت والدمار بإرادة لا تلين، هؤلاء النساء لم يكن مجرد ضحايا للظروف، بل أصبحن رمزاً للصمود والأمل في وجه ما بدا مستحيلاً، هذا المقال يأخذك في رحلة عبر عيون نساء غزة، ليروي قصصاً حقيقية عن البقاء، الحب، والأمل وسط الخراب.
من تحت الأنقاض.. قصة أم تلد الحياة وسط الموت
في ليلة من ليالي القصف العنيف، وجدت فاطمة (28 عاماً) نفسها محاصرة تحت أنقاض منزلها المدمر. كانت حاملاً في شهرها التاسع، وبدأت آلام المخاض تداهمها وسط صرخات الاستغاثة من حولها.
“كنت أشعر أن العالم ينهار من حولي، لكن طفلي كان يركل في بطني، يذكرني أن الحياة مستمرة رغم كل شيء،” تقول فاطمة بدموع مختلطة بابتسامة خافتة.
بمساعدة جارتها التي كانت ممرضة، ولدت فاطمة طفلها وسط الركام، تحت ضوء هاتف محمول خافت. أطلقت على ابنها اسم “أمل”، لتذكر العالم أن الحياة تنتصر حتى في أحلك الظروف.
سمر.. من معلمة إلى منقذة أرواح
سمر (35 عاماً) كانت معلمة لغة إنجليزية قبل اندلاع الأزمة. مع تدمير المدرسة التي كانت تعمل بها، وجدت نفسها تواجه تحدياً جديداً: إنقاذ الأرواح.
“لم أكن أعرف شيئاً عن الإسعافات الأولية، لكن الحاجة علمتني،” تقول سمر. “بدأت بتعلم الأساسيات من مقاطع فيديو على هاتفي، ثم وجدت نفسي أعالج جروحاً وأضمد كسوراً.”
خلال أسابيع، تحولت سمر إلى مسعفة ميدانية، تجوب الشوارع المدمرة لتقديم المساعدة. نجحت في إنقاذ العشرات، بينهم أطفال كانوا تلاميذها ذات يوم.
“كل روح أنقذها تذكرني أننا لم نفقد إنسانيتنا بعد،” تضيف بعينين تشعان إصراراً.
نور.. الفن كسلاح ضد اليأس
نور (22 عاماً) كانت طالبة فنون قبل أن تدمر الحرب حلمها في إكمال دراستها. لكنها قررت أن تحول الدمار إلى لوحة.
“بدأت أجمع بقايا المباني المدمرة: قطع زجاج، أسلاك، حتى الرصاص الفارغ. حولتها إلى منحوتات ولوحات تحكي قصتنا،” تشرح نور.
أقامت نور معرضاً فنياً في ملجأ مؤقت، حضره المئات من سكان غزة. أعمالها الفنية لم تجلب الأمل فقط، بل جذبت انتباه العالم لمعاناة شعبها.
“الفن سلاحي ضد النسيان والظلم. كل قطعة أصنعها هي صرخة للعالم: نحن هنا، نحن أحياء، ونستحق الحياة،” تقول بفخر.
رحمة.. من ربة منزل إلى رائدة أعمال اجتماعية
مع فقدان زوجها لعمله وإصابته، وجدت رحمة (40 عاماً) نفسها مسؤولة عن إعالة أسرة من سبعة أفراد. بدأت بصنع الصابون في مطبخها المتواضع.
“بدأت الأمر كحل مؤقت، لكنه تحول إلى مشروع غير عدة حيوات،” تبتسم رحمة. “الآن لدي فريق من 15 امرأة، كلهن فقدن معيلهن.”
مشروع رحمة لم يوفر الدخل فقط، بل خلق شبكة دعم قوية بين النساء. يجتمعن يومياً لصنع الصابون، مشاركة الطعام، وتبادل القصص والدعم العاطفي.
“نحن أكثر من مجرد زميلات عمل. نحن عائلة اخترناها، تدعم بعضها في أحلك الظروف،” تؤكد رحمة.
هدى.. صوت غزة للعالم
هدى (30 عاماً) صحفية شابة، قررت توثيق معاناة شعبها وصمودهم رغم المخاطر.
“كل يوم أخرج حاملة هاتفي وكاميرتي، أوثق قصص الناس. أريد العالم أن يرى غزة من خلال عيوننا، لا من خلال الأخبار فقط،” تشرح هدى.
رغم تعرضها للخطر مرات عديدة، استمرت هدى في عملها. نجحت في إيصال صوت غزة إلى منصات إعلامية عالمية، مسلطة الضوء على القصص الإنسانية وسط الصراع.
“كل قصة أرويها هي انتصار صغير على الظلم والنسيان. هذه مسؤوليتي تجاه شعبي وتجاه الحقيقة،” تؤكد بحزم.
أمل في غد أفضل.. مبادرات نسائية تعيد بناء المجتمع
رغم الدمار الهائل، بدأت نساء غزة بالفعل في التخطيط لإعادة بناء مجتمعهن:
– مريم (45 عاماً)، أسست “مركز الأمل للتعافي النفسي”، يقدم الدعم النفسي للنساء والأطفال المصدومين.
– سلمى (38 عاماً)، بدأت مبادرة لتعليم النساء مهارات البرمجة والتصميم الرقمي، لفتح آفاق عمل جديدة.
– ليلى (50 عاماً)، أنشأت تعاونية زراعية نسائية، تزرع الخضروات على أسطح المباني وفي الأراضي المهجورة.
هذه المبادرات لا تعيد بناء الاقتصاد فحسب، بل تعيد بناء النسيج الاجتماعي للمجتمع.
إن قصص نساء غزة ليست مجرد حكايات عن البقاء، بل هي دروس في قوة الروح الإنسانية. في وجه الدمار الشامل، اختارت هؤلاء النساء الحياة، الحب، والأمل.
كل امرأة في غزة تحمل في داخلها قصة تستحق أن تروى، قصة تذكرنا بأن الإنسانية قادرة على الازدهار حتى في أقسى الظروف. هؤلاء النساء لم يعدن يحلمن فقط بغد أفضل، بل يعملن بأيديهن على صنعه، يوماً بعد يوم، بإصرار لا يلين.
في عيونهن، نرى انعكاساً لأفضل ما في الإنسانية: القدرة على الحب والعطاء والأمل، حتى عندما يبدو كل شيء ضدنا. إنهن يذكرننا أن الحياة، مهما كانت قاسية، تستحق أن نعيشها بكرامة وأمل.