صوت الفن في قلب ثورة يناير، تفصلنا ايام قليلة عن ثورة 25 يناير 2011، والتي تعد واحدة من أبرز الأحداث التي شكلت محطات فارقة في تاريخ مصر المعاصر، ومن بين هذه الفوارق الكبيرة نجد التأثير العميق الذي تركه الفن على الحراك الثوري، سواء من خلال الأغاني أو الوثائقيات أو المسرحيات.
لقد تداخل الفن مع السياسة بشكل غير مسبوق في هذا الحدث التاريخي، ليصبح الصوت الذي يعبر عن آمال الشعب المصري وتطلعاته نحو التغيير والحرية.
ومن خلال هذا التقرير الصحفي، نستعرض علاقة الفن بثورة 25 يناير، وكيف كانت الموسيقى، السينما، والمسرح جزءًا لا يتجزأ من تلك اللحظات المليئة بالتحولات السياسية والاجتماعية.
أغاني ثورة 25 يناير
أغاني ثورة 25 يناير كانت أحد أدوات التعبير الأكثر تأثيرًا في الميدان، وقد لعبت دورًا محوريًا في تحفيز الثوار على الاستمرار في احتجاجاتهم، بل كانت وسيلة لخلق روح من التضامن والمشاركة الجماعية بين المتظاهرين.
أغنية “إزاي” للمطرب محمد منير كانت قد تم تسجيلها قبل بداية الثورة بفترة قصيرة، لكنها أصبحت واحدة من أهم الأناشيد التي رددها شباب الثورة في ميادين مصر، وكلمات الأغنية كانت تعبر عن خيبة الأمل والإصرار على التغيير، كانت تجسد الإحباط الذي يشعر به الشباب تجاه النظام القائم، ومع ذلك كانت أيضًا بمثابة مناشدة للثوار للاستمرار في نضالهم.
أغنية أخرى تميزت بتأثيرها العميق كانت “صوت الحرية” لفريق “وسط البلد”، وكلمات الأغنية تحدثت عن حلم التحرر والنضال من أجل الحرية، لامست قلوب الملايين الذين تجمعوا في ميدان التحرير.
كان هذا الصوت بمثابة نشيد للأمل، ورمزًا للإصرار على الحصول على حقوقهم المشروعة. الأغنية أكسبت الفريق شهرة واسعة في فترة قصيرة، ونجحت في نقل مشاعر الجماهير، خاصة في اللحظات الحاسمة للثورة.
وفي سياق متصل، نجد أغنية “يا بلادي” التي كان عزيز الشافعي ورامي جمال قد قدماها، والتي أصبحت أيقونة تمثيلية للثوار، وكلمات الأغنية تحدثت عن الشهداء ووجع الأمهات فقد لامست قلوب المصريين، وأصبح من المستحيل سماعها دون أن تثير في النفوس مشاعر الحزن والدموع، وبالفعل، تجاوزت مشاهدات الأغنية الـ 2 مليون على موقع “يوتيوب”، ما يعكس مدى تأثيرها في الذاكرة الجمعية للشعب المصري.
وثائقيات رصدت ثورة يناير
إذا كانت الأغاني قد جسدت مشاعر الثوار وطموحاتهم، فإن الوثائقيات كانت بمثابة العين التي رصدت تفاصيل الثورة من داخل الحدث، ومن أبرز هذه الأعمال كان فيلم “الميدان” للمخرجة جيهان نجيم، الذي وثق لحظات الثورة الحاسمة من ميدان التحرير.
ويعتبر هذا الفيلم من أهم الوثائقيات التي رصدت فصول الثورة من داخلها، حيث عرض شهادات حية لعدد من الثوار، وألقى الضوء على التحولات الكبيرة التي شهدها المجتمع المصري في تلك الأيام.
الفيلم الذي عُرض لأول مرة في مهرجان “صاندانس السينمائي” ترشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي، ليحصل على إشادة عالمية بسبب أسلوبه الشفاف في نقل حقيقة ما كان يحدث في الميدان.
و مع مرور الوقت، تم تحديث نهاية الفيلم ليشمل الأحداث التي تلت رحيل مبارك، ما يعكس استمرار الثورة وأثرها العميق في مختلف الفترات التاريخية التي تلتها.
أما سلسلة “ما لا يقال” التي عرضتها “بي بي سي” فكانت بمثابة عرض موازٍ للوثائقيات، حيث رصدت الأحداث بشكل يومي عبر “يوميات ثورة 25 يناير”، ورغم أنه تم تصويره من قبل الإعلام الغربي، إلا أنه كان قادرًا على تقديم سرد حقيقي للأحداث عبر التفاعل مع الشباب الثائر وتوثيقهم لخطواتهم في مواجهة النظام.
الأفلام التي تناولت ثورة يناير
لقد تركت السينما المصرية بصمات واضحة في تناول القضايا السياسية والاجتماعية، ومن بين أبرز تلك القضايا هي ثورة 25 يناير 2011، من بداية ظهور السينما حتى اليوم، اتخذ الفن السابع من الشاشة وسيلةً لتوثيق الأحداث السياسية والمجتمعية التي شكلت محطات فارقة في تاريخ مصر.
وفي هذا السياق، قدّم العديد من الأفلام السينمائية أعمالاً تناولت هذه الثورة وما قبلها وما بعدها، لتوثق انعكاساتها على المجتمع المصري، ومن أبرز الأفلام التي تناولت ثورة يناير:
فيلم فبراير الأسود
فيلم “فبراير الأسود” من إخراج محمد أمين، وهو أحد الأفلام التي تناولت فترة ما قبل الثورة، مشيرًا إلى الإحباط والظلم الذي عاشه بعض أفراد المجتمع، من خلال قصة شقيقين (خالد صالح وطارق عبد العزيز) يعملان في مجال العلم ولكن لا يجدان أي تقدير من الدولة.
وتدور أحداث الفيلم في إطار كوميديا سوداء، حيث يفكر الشقيقان في الهجرة أو الارتباط برجال السلطة. الفيلم ينتهي باندلاع ثورة يناير، آملين في حدوث التغيير المنشود.

فيلم حظ سعيد:
وهو من إخراج طارق عبد المعطي، تدور أحداث فيلم “حظ سعيد” حول شخصية سعيد (أحمد عيد) الذي يسعى لتحقيق حلمه بالزواج وامتلاك شقة، لكن تتعطل خطته بسبب أحداث الثورة.
والفيلم يُظهر التغيرات الاجتماعية والسياسية التي صاحبت الثورة، خاصة من خلال شخصية سعيد الذي يجد نفسه وسط صفوف الثوار، مع تطور الأحداث، ويُبرز الفيلم التناقضات التي ظهرت بعد الثورة من خلال اختلاف أفكار أبنائه، مما يعكس انقسامات الشعب المصري.

فيلم الشتاء اللي فات
من إخراج إبراهيم البطوط، يناقش هذا الفيلم فترة ثورة 25 يناير من خلال ثلاث قصص إنسانية متوازية، تشمل مذيعة تليفزيونية (فرح يوسف)، مهندس كمبيوتر (عمرو واكد)، وضابط أمن دولة.
والفيلم يُظهر تواطؤ الإعلام والتناقضات في المجتمع المصري خلال هذه الفترة، كما يناقش الأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورة.
فيلم بعد الموقعة
فيلم “بعد الموقعة” من إخراج يسري نصر الله، يدور حول الشاب محمود (باسم سمرة)، الذي يشارك في موقعة الجمل ظناً منه بأن الثوار هم أعداء البلد، ومن خلال هذا الفيلم، يُستعرض الصراع الداخلي في المجتمع المصري، خاصة من خلال رؤية الشخصيات المتناقضة التي تُظهر التوترات بين مؤيدي ومعارضي الثورة. يُظهر الفيلم أيضاً تأثير أحداث الثورة على الأفراد العاديين.

فيلم صرخة نملة
يركز هذا الفيلم على السخط الشعبي والمشاكل التي عانى منها المصريون قبل الثورة، حيث يُصوّر الشعب المصري كـ”نمل” يصرخ بلا جدوى أمام نظام فاسد، والفيلم يبرز التغيير الذي حدث نتيجة الثورة، حيث يختار الشعب الاتحاد لمواجهة الظلم. ويشارك في بطولة الفيلم عمرو عبد الجليل، رانيا يوسف، وأحمد وفيق.
فيلم بعد الطوفان
من إخراج محمد يسرى، تدور أحداث هذا الفيلم حول طبيبة نفسية تقوم بدراسات وأبحاث حول فساد مجموعة من الوزراء، والفيلم يتناول جذور الفساد في الدولة وأسباب الفشل الإداري والسياسي، مع التركيز على أحداث ما بعد الثورة.
تأثير الثورة على الدراما التليفزيونية
منذ سقوط الرئيس مبارك، شهدت الدراما المصرية تحولًا كبيرًا في تناول قضايا المجتمع، وخاصة تلك المتعلقة بالفترة الانتقالية التي تلت الثورة، الكتابة الدرامية بدأت تركز على الشريحة العريضة من المجتمع، وتحديات المرحلة الانتقالية، وسقوط الأنظمة السياسية القديمة.
المسلسلات التي تناولت فترة ما بعد الثورة مثل “تحت السيطرة” قد سلطت الضوء على التغيرات الاجتماعية والسياسية، وعلى الآمال والتحديات التي واجهها الشعب في فترة ما بعد رحيل مبارك، وهذا ما يُظهر تأثير الثورة ليس فقط في الفن، ولكن في كيفية معالجة القضايا الاجتماعية والإنسانية في الدراما المصرية.
وخلال فترة الثورة وما تلاها، شهدت الدراما المصرية تحولًا لافتًا في تناولها لقضايا المجتمع والسياسة، فقد قدمت العديد من المسلسلات أعمالًا تركزت حول موضوعات التعذيب والانتهاكات التي مارسها النظام القائم ضد المواطنين، والتي ساهمت في إشعال غضب الشعب، مثل مسلسلات “آدم” و”تحت الأرض” و”الهروب” و”المواطن إكس”.

كما تناولت أعمال أخرى مثل “دوران شبرا” و”خاتم سليمان” و”العراف” و”طرف ثالث” أحداث الثورة من زوايا اجتماعية وفنية، مما يعكس تأثير الثورة على الفن المصري.

لكن بحلول عام 2014، اختفت هذه الموضوعات بشكل ملحوظ، حيث تم توجيه رسالة غير مباشرة من خلال مسلسل “أهل إسكندرية”، الذي عكس الموقف الرسمي من ضرورة تجاهل الثورة فنيًا، ما أدى إلى غياب تناولها على الشاشة.
المسرح وثورة 25 يناير
لم تقتصر التعبيرات الفنية على الأغاني والسينما فقط، بل كان للمسرح دوره أيضًا في تسليط الضوء على ثورة 25 يناير، ومن أبرز العروض المسرحية التي استلهمت الثورة كان عرض “1980 وأنت طالع”، الذي قدمه الفنان الكبير يحيى الفخراني.
وقدم هذا العرض رؤية جديدة للوضع السياسي والاجتماعي في مصر، واستلهم العديد من الأحداث والتغيرات التي شهدتها البلاد بعد 25 يناير، ومن خلال الحوار والتمثيل، تناولت المسرحية قضايا مهمة مثل التغيير السياسي ومطالب الشعب بالتنمية والعدالة الاجتماعية.
المسرح كذلك كان شاهدًا على التغيرات الفكرية التي طرأت على المجتمع المصري، إذ كانت عروضه بمثابة إضاءات على فكر الثورة والمجتمع في مرحلة الانتقال.
دور الفن الشعبي في التعبير عن مطالب الناس
من الأغاني الثورية التي رددها المتظاهرون إلى عروض الشوارع التي تجسدت في كل زاوية من زوايا مصر، لعب الفن الشعبي دورًا محوريًا في تشكيل الوعي الثوري، ففي تلك اللحظات، انطلقت العديد من الفرق الفنية التي عبرت عن مطالب الناس ورفضهم للنظام السابق.
الموسيقى الشعبية والمهرجانات التي ظهرت في هذا التوقيت كانت تواكب الحراك الثوري، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من معركة الوعي والتحرير.
علاقة الفن بثورة 25 يناير
تظل علاقة الفن بثورة 25 يناير علاقة وثيقة ومعقدة، حيث كان الفن أحد المحركات الأساسية التي ساهمت في تشكيل الوعي الجمعي للشعب المصري، سواء عبر الأغاني التي عبرت عن آلامهم وأحلامهم، أو عبر الأفلام الوثائقية والمسرحيات التي وثقت تحولات الثورة.
وعلى الرغم من المحاولات المستمرة لتقليص تأثير الفن، إلا أن هذه الأعمال الفنية تظل شاهدًا حيًا على لحظة تاريخية فارقة، تمثل انطلاقة نحو التغيير والحرية.
وجدير بالذكر أنه بعد مرور 14 عامًا على ثورة 25 يناير، تظل هذه الثورة محورية في التاريخ المصري، سواء على مستوى السينما أو الواقع السياسي، بينما تتجنب بعض الأعمال السينمائية تناول الثورة خوفًا من الرقابة أو الخسارة، يبقى الفن حريصًا على تسجيل تلك اللحظات الهامة في التاريخ المصري، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في سبيل التوثيق الفني والإنساني.
اقرأ المزيد: السبت المقبل إجازة للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة ذكرى ثورة 25 يناير وعيد الشرطة