تُعد نظرية الحصان الميت (Dead Horse Theory)، واحدة من أكثر الاستعارات الساخرة إثارة للتفكير في عالم السياسة والاقتصاد.
هذه النظرية، التي تُستخدم لوصف سلوكيات الأفراد والمؤسسات والحكومات عند مواجهة مشاكل واضحة، تعكس بشكل لاذع كيف يتم التعامل مع الأزمات بأساليب غير فعالة بدلاً من الاعتراف بالواقع واتخاذ قرارات جريئة.
وتقوم النظرية على فكرة بسيطة، وهي إذا اكتشفت أنك تركب حصانًا ميتًا، فإن الحل الأفضل هو النزول عنه وتركه، ولكن الواقع غالبًا ما يكون أكثر تعقيدًا، حيث يلجأ البعض إلى إجراءات غير منطقية مثل تغيير السرج، أو تقديم العلف للحصان، أو حتى تشكيل لجان لدراسة كيفية إحياء الحصان الميت، وهذه الإجراءات، رغم أنها تبدو مضحكة، تعكس سلوكيات حقيقية في عالم السياسة والاقتصاد، حيث يتم إنكار المشكلة بدلاً من مواجهتها.
ففي عالم السياسة، تُظهر نظرية الحصان الميت كيف تتعامل الحكومات والمؤسسات مع الأزمات، فبدلاً من الاعتراف بالفشل واتخاذ قرارات صعبة، يتم اللجوء إلى إجراءات رمزية أو تبريرات غير منطقية، فعلى سبيل المثال، قد يتم تشكيل لجان لدراسة مشكلة ما، ولكن دون تنفيذ توصياتها، أو يتم تغيير المسؤولين دون تغيير السياسات الفاشلة.
وكذلك في الاقتصاد، تُظهر النظرية كيف يتم الإصرار على سياسات أثبتت فشلها، بدلاً من البحث عن حلول مبتكرة، وهذا السلوك يؤدي إلى إهدار الموارد وضياع الفرص، مما يعمق الأزمات بدلاً من حلها.
ويمكن ربط نظرية الحصان الميت، بالعديد من السياسات الاقتصادية التي مرت بها مصر على مر السنين، فبدلاً من الاعتراف بالمشاكل واتخاذ قرارات جذرية، تم اللجوء إلى إجراءات رمزية أو تبريرات غير منطقية، فعلى سبيل المثال، استمرت الحكومة المصرية لسنوات في الاعتماد على القطاع العام كأداة رئيسية للتنمية الاقتصادية، رغم أن هذا النموذج أثبت فشله في العديد من الدول، وبدلاً من البحث عن حلول مبتكرة، تم تكرار نفس السياسات مع توقع نتائج مختلفة.
ففي كثير من الأحيان، يتم تشكيل لجان لدراسة المشكلات الاقتصادية، ولكن دون تنفيذ توصياتها، هذه اللجان تستهلك الوقت والموارد، ولكنها لا تؤدي إلى أي تغيير حقيقي، وهذا السلوك يعكس رغبة في إطالة أمد المشكلة وتجنب اتخاذ قرارات حاسمة.
فبدلاً من الاعتراف بفشل السياسات الاقتصادية، يتم البحث عن مبررات خارجية مثل الظروف الدولية أو التحديات الهيكلية وغيرها من المبررات، مما يؤدي إلى تحميل المسؤولية على عوامل خارجة عن الإرادة، وتجنب مساءلة صناع القرار.
وفي بعض الأحيان، يتم تغيير أسماء البرامج والمشاريع الاقتصادية بشكل متكرر، ولكن بدون تغيير في الأسس أو الأهداف، مما يعطي انطباعاً بالتغيير والتجديد، ولكن في الواقع لا يحدث أي تحول حقيقي.
وعلى الرغم من تفاقم أزمة الديون الخارجية، استمرت الحكومة في الاقتراض دون اتخاذ خطوات جادة لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة، هذا الإجراء يعكس إنكارًا للواقع وإصرارًا على سياسات فاشلة.
وعلى صعيد آخر تعاني البيروقراطية المصرية من التعقيد والبطء، مما يعيق الاستثمار ويدفع المستثمرين للبحث عن فرص في دول أخرى، رغم ذلك، لم يتم تنفيذ إصلاحات جذرية لتبسيط الإجراءات وتحسين بيئة الأعمال، ومن جهة ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، لم يتم تنفيذ برامج فعالة لخلق فرص عمل، وبدلاً من ذلك، تم اللجوء إلى حلول مؤقتة مثل التوظيف في القطاع العام، مما أدى إلى تفاقم المشكلة.
فالإصرار على سياسات فاشلة يؤدي إلى تضيع فرص التنمية الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، وتفاقم المشكلات الاقتصادية يؤدي إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي، ففشل السياسات الاقتصادية يؤدي إلى تآكل الثقة في الحكومة، مما يزيد من الصعوبة في تنفيذ أي إصلاحات مستقبلية.
ولتجنب الوقوع في فخ نظرية الحصان الميت، يجب أن تكون هناك شفافية في التعامل مع المشكلات الاقتصادية، والابتعاد عن سياسة التعتيم والتجميل، ومحاسبة المسؤولين عن الفشل في تنفيذ السياسات الاقتصادية، وتشجيع المسؤولية والشفافية، كما يجب البحث عن حلول جديدة ومبتكرة لمواجهة التحديات الاقتصادية، والابتعاد عن النسخ واللصق من تجارب دول أخرى، وإشراك المواطنين في عملية صنع القرار الاقتصادي، والاستماع إلى آرائهم واقتراحاتهم، فبالتطبيق الفعلي لهذه المبادئ، يمكن لمصر أن تخرج من دائرة الفشل وتحقق التنمية الاقتصادية المستدامة.