منذ أيام قليلة أعلنت وزارة الأوقاف عن إطلاق مبادرة «عودة الكتاتيب»، التي تهدف إلى إحياء دور الكتاتيب في تعليم القرآن الكريم.
ورغم أن هذه المبادرة قد تبدو للعديد من الأفراد خطوة إيجابية نحو الحفاظ على التراث الثقافي والديني، إلا أنها تثير العديد من التساؤلات والنقد من حيث توافقها مع متطلبات العصر الحديث.
في الوقت الحالي تعيش المجتمعات في عصر يتسم بالتطور التكنولوجي السريع والانفتاح على مصادر المعرفة المتنوعة، فإن العودة إلى نظام الكتاتيب، الذي يعد أسلوبًا تعليميًا تقليديًا، قد يبدو كخطوة إلى الوراء، فتاريخيًا كانت الكتاتيب توفر تعليماً أساسياً في القرآن الكريم، لكن ذلك كان في سياقات زمنية مختلفة، حيث لم تكن هناك بدائل تعليمية متاحة.
في عصر اليوم، تتوفر وسائل تعليمية متقدمة، تتجاوز مجرد حفظ النصوص، حيث تتطلب العملية التعليمية مهارات التفكير النقدي والإبداع، وفي ظل ما تواجهه الدولة اليوم من تحديات كبيرة في مجال التعليم، خاصةً في ظل التنافس العلمي والتكنولوجي العالمي المتزايد، ففي هذا السياق، يصبح من الضروري تطوير مهارات النشء لمواكبة التغيرات السريعة التي يشهدها العالم، فيُعتبر التعليم حجر الزاوية في بناء مجتمع قادر على التكيف مع هذه التغيرات، ولذلك يتوجب علينا إعادة النظر في الأساليب التعليمية التقليدية.
كما تعتبر المهارات الأساسية مثل البرمجة، التفكير النقدي، والابتكار من الضروريات في عصرنا الحالي، ففي عصر التكنولوجيا، لم يعد كافيًا أن يتعلم الطلاب المعلومات النظرية فقط؛ بل يجب أن يكونوا قادرين على تطبيق هذه المعرفة في مواقف حقيقية.
فإن استخدام أساليب تعليمية تقليدية، مثل الكتاتيب، قد يقيد الطلاب ويعيق تطوير مهاراتهم اللازمة للنجاح في عالم متسارع ومتغير، فيتطلب التعليم الحديث توفير بيئة تعليمية تشجع على الاستكشاف والتفكير النقدي، ويجب أن يتوجه المعلمون إلى استخدام أساليب تعليمية مبتكرة تشمل التعلم النشط، والتعلم القائم على المشاريع، واستخدام التكنولوجيا في الفصول الدراسية.
هذه الأساليب تساعد الطلاب على التعلم بطريقة تفاعلية، مما يعزز من قدرتهم على التفكير النقدي وحل المشكلات، ولا يعني الدعوة إلى التعليم العصري تجاهل التعاليم الدينية، فيمكن دمج تعليم القرآن الكريم مع المناهج الحديثة بطريقة تعزز من فهم الطلاب لدينهم وفي نفس الوقت تزودهم بالمهارات الحديثة من خلال المؤسسات التعليمية الدينية التابعة للأزهر ووزارة الأوقاف، فبدلاً من الاقتصار على حفظ النصوص، يمكن استخدام التكنولوجيا لتعزيز الفهم والبحث، مما يسمح للطلاب بتطوير مهارات التحليل والنقد.
فالتحدي الذي يواجه التعليم في عصرنا الحالي يتطلب إعادة التفكير في أساليب التعليم التقليدية، فيجب أن نعمل على تزويد الطلاب بالأدوات اللازمة لمواجهة المستقبل، لأن التعليم العصري هو المفتاح لبناء جيل قادر على التكيف مع التغيرات السريعة، مما يضمن لمجتمعاتنا قدرة تنافسية في عالم يزداد تطورًا، فالاستثمار في التعليم العصري وتطوير المهارات الحديثة هو الأساس الذي يجب أن يبنى عليه مستقبل الأجيال القادمة، وليس العودة إلى نماذج تعليمية قديمة قد لا تلبي احتياجات العصر.