“كنت خايف، بس أنا كده كده ميت بالحياة فـقررت أغامر وأختار حياة كويسة لأمي وأختي ولو كنت مت كان هيبقى أهون عليا أشوف أمي وأختي محتاجين حاجة ومش عارف أجيبها” هذه الجملة ليست كلام الشاب العشريني وحده الذي تواصلنا معه في موقع الحرية لمعرفة تفاصيل رحلته غير الشرعية إلى إيطاليا، والتي كللت بالنجاح من وجهة نظره؛ بل يبدو أنها نفس تفكير آلاف الشباب الذي يلجأون للهجرة غير الشرعية باحثين عن مستقبل أفضل لهم ولأسرهم.
يسعى الشباب للخروج من مصر كالمستجير بالهجرة غير الشرعية بكل مخاطرها ومخاوفها هربًا من الفقر بكل إهانته لحياة الإنسان وكرامته.
رحلة الشاب التي أوصلته لإيطاليا حملت مخاطر جمة، وكاد أن يفقد حياته مرات عديدة، حتى أنه رغم نجاحه في العمل بأوروبا الآن، عاد لينصح الشباب عبر “الحرية” بعدم المخاطرة بهذه الرحلة الصعبة وغير المأمونة.
التفوق الدراسي
شاب عشريني كان متفوقًا دراسياً، ومجموعه في الإعدادية كان يساعده على الالتحاق بالثانوية العامة، ولكنه اتجه للثانوي الصناعي لسرعة إنجاز الحصول على شهادة، والانخراط في سوق العمل:”التفوق مش هيأكلني عيش ولا هلحق أكون نفسي لو قضيت عمري في التعليم ويا أنا أتعلم يا أختي تتعلم وتتجوز جوازة كويسة”.
يقول الشاب الذي فضل عدم الكشف عن هويته لـ “الحرية”: “والدي توفى وأنا عندي حوالي ١٠ سنوات وكان موظفًا بسيطًا وترك لي أختًا أكبر مني وكانت في مرحلة الجامعة وأمي مريضة، وكل ما كان يراود تفكيري وقتها إزاي أعيشهم حياة كريمة ويلبسوا أحسن لبس وياكلو أحسن أكل ومايحتاجوش لحد لدرجة أني كنت بسيب المدرسة وأنزل أشتغل بدون ما أعرف أمي”.
قصة الشاب بدأت حينما التحق بمهن متعددة، حتى أصبح “صنايعي رخام ماهر” ولكن الوضع المادي لم يكن جيدًا، ففكر في السفر وعمره نحو ١٥ عامًا حيث كان معاش والده ٢٠٠٠ جنيه.
سافر الشاب عدداً من الدول بطرق شرعية وغير شرعية منهم السعودية والإمارات وليبيا وروسيا وبولندا وألمانيا سيراً وسط الغابات.
وكانت حصيلة هذه الرحلات حوالي ٥٠٠ ألف جنيه، إذ قام بتجهيز أخته للزواج بهم ليفكر من جديد في رحلة سفر أخرى، لبناء مستقبله بعد اطمئنانه على أخته، إيماناً منه بمبدأ “سترة البنت أهم من جواز الولد” بحسب قوله.
وقال الشاب فكرة السفر كانت تروادني بشكل مبالغ فيه الفترة الماضية وكان حلم حياتي أوصل أوروبا، وكل تفكيري تردي الوضع الاقتصادي هنا، وأصبح عمري ٢٣ عامًا ولم أحقق أي خطوة في مستقبلي.
واستكمل حديثه قائلا ” كنت عارف حجم المخاطرة، وإني ممكن أموت وسط البحر وما أرجعش لأهلي حتى جثة، لكن أنا ضحيت بنفسي عشان أمي المريضة اللي بتاخد معاش ٩٠٠ جنيه، في فترة كيلو اللحمة وصل ٣٥٠ جنيه وعشان أختي اللي النهاردة أصبحت أستاذة جامعية وفخور بيها جدًا، يكفيني دعاؤها، وكلامها إنها عمرها ما هتنسى دعمي ليها رغم إن ده كان واجب عليا، وعلى فكرة إحنا مش جيل فاشل، هما إدونا دنيا خربانة وقالوا علينا جيل فاشل مش عارف يعمل حاجة.
أنا كنت خايف جدا ومابنامش قبل السفر بس كنت متأكد إن الخطوة دي هتنقل حياتي نقلة تانية، أنا كل حلمي أبني مستقبلي وأجهز نفسي واتجوز واحدة بنت حلال تصوني وتصون أمي في مرضها، مش عاوز عربية ولا عاوز أبقى مليونير أنا عاوز أعيش مرتاح وبس”.
كنت خايف على أمي من بعدي وأنا مسافر وممكن ما أرجعش بس ماكانش عندي حل تاني، وزي ما كان فيه خطورة كان فيه أمل إن ممكن يبقى الوضع أحسن، معاش والدي بعد ما أختي اتجوزت وأنا تميت السن القانوني وصل ٩٠٠ جنيه مايجيبوش علاجها! ده أسنانها بس الفترة اللي فاتت كلفتني ١٦ ألف جنيه غير الأمراض المزمنة!
قصة الشاب كشفت عن تفاصيل مهمة أبرزها أن فكرة السفر منتشرة بين رفاقه، والسمسار معروف لديهم، كل هذا سهل من قرار السفر الذي اتخذه دون تردد رغم كل المخاطر التي كان يخشاها، تواصل مع السمسار والذي اتفق معه على مبلغ ١٥٠ ألف جنيه. مقسمين ٢٤ ألف في المطار قبل الإقلاع إلى ليبيا، وجزء لحظة الوصول إلى المخزن، وباقي المبلغ على المركب قبل التحرك إلى إيطاليا.
السمسار تواصل معه وأبلغه بموعد السفر وكان الشاب قد أعطى لوالدته خلفية مسبقة لسفره إلى ليبيا، ولم يخبرها بأي شيء عن السفر لإيطاليا، حتى أنه يوم تحركه إلى إيطاليا أبلغها بأنه مريض وسيبقى بالمستشفى عدة أيام لأنه لم يكن يعلم بموعد الوصول أو سلامته.
السفر إلى ليبيا كان قانونيًا وبأوراق رسمية، لكن لم يعلم أي شيء عن أي إجراء حيث أنه أبلغه بموعد الطيارة قبلها بثلاث ساعات فقط وكان بانتظاره مندوب بالمطار ومضى على أوراق بخلو مسئولية الحكومة المصرية منه، معللًا أن هذا الورق يعني أنه إن كان متجها إلى ليبيا بهدف هجرة غير شرعية فلا مسئولية على الحكومة على حد قوله.
أما جواز السفر فلم يره ولم يستلمه إلا بعد وصوله إلى السكن في ليبيا، والسكن عبارة عن مخازن مليئة بأشخاص كثيرة من جنسيات مختلفة يرغبون في الهجرة غير الشرعية وينامون على الأرض متحملين كافة مصاريف الأكل والشراب، ومتحملين أيضا كافة أشكال الإهانة والضرب غير المبرر.
وأردف تحركت من ليبيا يوم ٢٥ نوفمبر الماضي وعند الوصول إلى المركب دفعت ١٦.٥ ألف دينار وسائق المركب كان من ضمن المهاجرين مستخدما البوصلة في الاتجاهات.
وتابع ” اللي بيركب المركب بيبيع حياته مش فارق معاه يعيش أو يموت، واتنين من زمايلي حاولوا يسافروا في وقت سابق والمركب غرقت وفضلوا عايمين على جردل في عرض البحر إلى أن أنقذتهم القوات الليبية وظلوا بالمستشفى أكثر من ٤٥ يومًا.
تحركوا بالمركب في منتصف الليل واصفًا المشهد داخل عرض البحر بظلمة القبر، حتى وصلوا إلى جزيرة في منتصف البحر يقال أنهم منظمة الصليب الأحمر ومن ثم طلبوا الاستغاثة ومن هنا تبدأ الطمأنينة في الدخول لقلوب المهاجرين .
لحظة الوصول إلى الجزيرة وجدوا أشخاصًا بانتظارهم يقدمون لهم ملابس جديدة ومأكولات، ويتم توزيعهم على “كامبات” بعد ثلاثة أيام تقريبا من الوصول للانتظار بها مدة ٦ أشهر ونهاية كل شهر يعطون لكل لاجيء ٧٥ يورو لحين الانتهاء من تقنين أوضاعهم وتقديم أوراق تمكنهم من العمل داخل الدولة، خاصة أنهم لا يحملون جواز سفر أو أي إثبات شخصية ما يجعلهم يستخدمون الوشم في كتابة أسمائهم باللغة العربية والإيطالية وأيضا جنسياتهم.
وأوضح أنه تواصل مع أحد معارفه واتجه إلى مقر سكنه. وسكن معه وأنه الآن يعمل “نقاش” براتب ١٥٠٠ يورو وربما يصل راتبه إلى ٤٠٠٠ آلاف يورو.
وأنهى الشاب حديثه قائلا “مبسوط باللي عملته أيا كان حجم المخاطرة أنا وصلت أختي لأن تكون أستاذة جامعية ووفرت لوالدتي أدويتها ومستوى مادي أفضل ماكنتش هقدر أعمل ده في ظل تردي الأحوال الاقتصادية في مصر وغلاء الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه ” لافتًا إلى أنه على وشك تقنين أوضاعه حتى يتمكن من النزول إلى مصر للاطمئنان على والدته، ومن ثم العودة مرة أخرى إلى إيطاليا لاستكمال أحلامه.
ورغم أن الشاب وصف رحلته بالنجاح إلا أنه لم ينصح أحدًا بخوض هذه التجربة، إذ أنها مخاطرة كبيرة بحياة الإنسان ربما لا ينجو منها الكثير ولا يستطيع تحمل المشقة سوى القليل.