شغل تفكير العديد من المفكرين والسياسيين مسألة ما بعد «إسرائيل»، خاصة مع استمرار معركة طوفان الأقصى التحررية الكبرى التي تهدف للاستقلال الفلسطيني الكامل، ودوام الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة ونجاح السردية الفلسطينية دوليا، بالتزامن مع الهزيمة الأخلاقية والمعنوية غير المسبوقة للعدو الصهيوني واستكماله مذبحته المروعة في قطاع غزة ضد النساء والأطفال، وجرائمه في الضفة الغربية والقدس الشريف.
ولكن في الآونة الأخيرة، يحاول البعض وضع هتلر الثاني، بنيامين نتنياهو ككبش فداء للكيان اللقيط، والحيلولة دون هذا التصور الأكبر الحتمي بزوال الاحتلال مقابل الاقتصار على زوال هتلر الثاني من الحكومة والحياة السياسية.
بطبيعة الحال، أي زوال لنتنياهو، في مصلحة قضيتنا المركزية، لا يرفضه أحد، من منطلق وقتي، كونه يصب في صالح إنهاء العدوان الصهيوني المستمر، وتفعيل محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، ووقف معادة الإنسانية والسامية الذي أسميته في وقت سابق «معاداة الإنسامية»، ولكن يجب أن يكون التفكير الاستراتيجي لأبناء أمتنا، يبصر الحقائق الكبرى، وفي مقدمتها استقلال فلسطين كاملة من البحر إلى النهر وزوال الكيان الاحتلال العنصري البغيض، خاصة أن الثمن المدفوع منذ أكثر من 70 عاما، بات باهظا للغاية، ويجب أن يكون له ما بعده.
«إسرائيل فكرة سيّئة منذ تبنيّها، لأن إحلال وطنٍ قومي مكان وطنٍ أصلي لشعبٍ آخر فكرةٌ سيّئة على الدوام»، بهذه الصراحة والجراءة، أعلن الأكاديمي والباحث «الإسرائيلي» مارسيللو سفيرسكي، رأيه في كتابه «ما بعد إسرائيل .. نحو تحول ثقافي»، في انتقاد علني موجع ضرب السردية الصهيونية في مقتل منذ العام 2014.
وفي ديسمبر الماضي، تحدث وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال اجتماع برلماني إيراني، مؤكدا أن «أصدقاء الكيان الصهيوني يفكرون لمرحلة ما بعد إسرائيل بعد فقدانهم الأمل بها».
وبصرف النظر عن مدى اعتبار هذا التصريح جزء من الدعاية الحربية، من عدمه، ولكن هناك صدى له بين أبناء الكيان الصهيوني أنفسهم الذين يفكرون في نهاية كيانهم، ولعل الحديث الصهيوني عن لعنة العقد الثامن صدى لهذه المخاوف الصهيونية المتعمقة.
في عام 2022، أبدى رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك مخاوفه من قرب زوال الكيان الصهيوني قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مؤكدا أن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وأنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها، وهو ما أشار إليه كذلك «أبو عبيدة» المتحدث باسم كتائب القسام، في خطاباته العسكرية مع بداية معركة طوفان الأقصى.
إن مصلحة الإنسانية والكون والمجتمع الدولي، أن يزول الكيان الصهيوني، وإعلان الاستقلال الكامل لدولة فلسطين، بل يمكن أن القول إنه من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، زوال الكيان، خاصة أن وظيفته، باتت سهلة المنال بالطرق الأمريكية الحديثة البغيضة، وهو ما يصب بطبيعة الحال في مصلحة حقوق المنطقة وأمتنا العربية والإسلامية وشعبنا الفلسطيني الصامد البطل.
من الأفضل للإنسانية والسامية، أن يبحث الجميع مآلات اليوم التالي لما بعد زوال الكيان الصهيوني ، فغزة وأخواتها دفعوا ثمن الاستقلال الكامل لفلسطين وهم أصحاب القرار، والأمر مسألة وقت بإذن الله.