تحتفل مصر بذكرى 30 يونيو، وهو يوم لا يُنسى في تاريخها، حيث عاش شعبنا والقوى المدنية تجربة متلاحمة مع كافة التغيرات والمحن التي عاشها الوطن.
شعار “اليأس خيانة” لم يكن مجرد شعار بل كان رمزًا للصمود أمام الأحداث التي انطلقت منذ وصول الإخوان للحكم.
الإخوان المسلمون هم تنظيم دولي حاول السيطرة على وطننا لتنفيذ أجندته العالمية. لم تكن ثورة 30 يونيو وليدة لحظة، بل كانت نتيجة لكفاح الشعب وتضحياته وتلاحم كافة القوى السياسية التي تجمعت لإنقاذ مصر، متجاوزة الخلافات والاختلافات في سبيل الوطن.
بعد تولي المجلس العسكري إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية، تم إصدار الإعلان الدستوري الأول في فبراير 2011، والذي نص على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وتم استفتاء على تعديل الدستور، وجاءت النتيجة بنعم للتعديل بعد ما سمى بغزوة الصناديق.
بعد ذلك، جرت انتخابات مجلس الشعب، حيث فازت الأحزاب الدينية المتمثلة في تيار الإسلام السياسي بالأغلبية.
ثم جرت انتخابات الرئاسة، وكانت الجولة الأخيرة بين الفريق شفيق ومحمد مرسي العياط عضو جماعة الإخوان والذي لقب (بالاستبن) نظراً لاختياره بديلاً عن خيرت الشاطر. وأعلنت الجماعة فوز مرسي واحتفلوا بميدان التحرير قبل إعلان اللجنة العليا للانتخابات النتيجة. ثم بدأ في فرض سيطرة التنظيم على مؤسسات الدولة، وقاموا باختيار لجنة المائة لصياغة الدستور، لكن محكمة القضاء الإداري قضت بوقف تنفيذ قرار تشكيل اللجنة.
في نوفمبر 2012، أصدر مرسي الإعلان الدستوري الذي منحه صلاحيات واسعة، وحصن قراراته وجعلها نهائية وغير قابلة للطعن ومنع حل المجلس أو تأسيسية الدستور التي شكلها، وقام بعزل النائب العام وتعيين آخر.
هذا أدى إلى إعلان القوى المدنية تكوين جبهة الإنقاذ في مؤتمر عقد في 24 نوفمبر 2012.
وحكمت المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب بسبب عدم دستورية قانون الانتخابات، وأصدر المشير طنطاوي قرارًا بحل المجلس.
مرسي أصدر قرارات جمهورية أخرى، لكن المحكمة الدستورية العليا أوقفت تنفيذ القرارات وأمرت بتنفيذ حكمها، ورفضت القوى المدنية بحزم استمرار المجالس المنحلة ولجان الدستور التي شكلت دون موافقة شاملة من كافة فئات الشعب، فحتى بعد انسحاب ممثلي القوى المدنية والكنيسة من التنسيقية، قام الإخوان بتعيين عبدالمنعم الصاوي ممثلاً عن الكنيسة المصرية في لجنة صياغة الدستور.
في ظل هذا السياق، نشأت حركة “تمرد”، حيث استمر الشعب والقوى المدنية في مقاومة التطرف والعنف الذي تعرضوا له من قبل الإخوان. وفي 2 ديسمبر 2012 حاصرت جماعة الإخوان المحكمة الدستورية العليا، مما دفع كل القوى المدنية إلى الاعتصام في الاتحادية، المعروف بـ “اعتصام الاتحادية”. تعرض المتظاهرون لاعتداءات وتهديدات، وأطلق الإخوان العنان للعنف لفض الاعتصام بالقوة والاعتداء على المعتصمين. وكان المجتمع المصري تحت تهديد مستمر ورافق ذلك سقوط العديد من الشهداء في أحداث مروعة، مما دفع القوى المدنية لرفض دعوة مرسي للحوار في يناير 2013، وتحميله مسؤولية دماء الشهداء والمصابين. تم التأكيد على رفض الترويع والتهديدات التي تعرض لها الشعب، وطالبت جبهة الإنقاذ بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وإجراء تعديلات دستورية وتحقيقات قضائية فيما يتعلق بالأحداث الدامية التي شهدتها مصر. أصدر الأزهر وثيقة لرفض العنف وتأكيد دور مؤسسات الدولة في حماية أمن المواطنين، ولكن فشل الإخوان في استمالة القوى المدنية دفعهم لإشعال الفتن مستخدمين شيوخ التحريض للتحريض على الفتن وتكفير كل رافض لحكمهم. واندلعت الأحداث بشكل خطير ففي منطقة الخصوص وبعد زيارة أحد شيوخ التحريض إليها، اندلعت أحداث الخصوص والتي تم فيها مهاجمة أقباط الخصوص وكنيسة مارجرجس والكنيسة المعمدانية وسقط 6 شهداء 5 بالرصاص الحي والشهيد الأخير تم إحراقه حياً أثناء عودته من عمله. وفي بيان لمستشار مرسي للشؤون الخارجية عصام الحداد ألقى اللوم على الأقباط في اندلاع الأحداث.
ثم اندلعت أحداث الكاتدرائية والتي حدثت أثناء الصلاة على شهداء الخصوص حيث تم محاصرة الكاتدرائية وإطلاق الرصاص الحي على المشيعين وإلقاء قنابل الغاز على الكاتدرائية والمقر البابوي، وسقط شهيد آخر من المشيعين لجنازة شهداء الخصوص في الهجوم على الكاتدرائية، وظل الأقباط تحت التهديد والترويع حتى أن الشهيد هلال الذي تم إحراقه حياً والذي توفي فيما بعد بالمستشفى أُجبرت أسرته على أخذ جثمانه بمفردهم والسفر لدفنه في مسقط رأسهم.
أصبح هتاف “يسقط يسقط حكم المرشد” هو صدى لكافة القوى الوطنية في مصر. استمرت المسيرات المناهضة لحكم جماعة الإخوان واستبدادهم، وتكللت بسقوط العديد من الشهداء. حتى أن من كانوا يعتبرون جماعة الإخوان أنصارًا لله، صار هتافهم “لا إخوان ولا مسلمين، ضحكوا علينا باسم الدين”.
ونُظمت المسيرات النسائية في جميع محافظات مصر، بحري وقبلي وفي القاهرة، وتوحدت كافة القوى السياسية والشعبية لهدف واحد: إسقاط حكم الإخوان، التي تمثل تنظيمًا إجراميًا استباح دماء المصريين وزعزع أمنهم وسيادتهم بالتهديدات والسلاح.
في 30 يونيو 2013 خرج المصريون في تظاهرات مليونية شهدتها ميادين وشوارع مصر التي امتلأت بالمتظاهرين، حيث شاهدتها قنوات العالم، وبقي المتظاهرون متمسكين بمطالبهم برحيل مرسي وإنهاء حكم الإخوان. تلقت باترسون، السفيرة الأمريكية، انتقادات حادة بسبب دعمها للإخوان، مطالبينها أن تكف عن التآمر ضد رغبة الشعب المصري ودعم الإخوان الذين وصلوا للحكم في صفقة أُبرمت بينهم، وهاجم النشطاء تصريحاتها الداعمة للإخوان ضد إرادة الشعب، مثل السياسي القدير جورج إسحق وغيره ممن أعلنوا صراحة عن رفضهم تصريحات السفيرة الأمريكية.
وفي 1 يوليو أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانا يمهل فيه القوى السياسية 48 ساعة لتحمل أعباء الظرف التاريخي وأنه في حال لم تتحقق مطالب الشعب سيعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها. وقد أعلنت وزارة الداخلية تضامنها مع بيان القوات المسلحة واستقال بعض الوزراء وبعض النواب الذين يمثلون القوى المدنية.
فقام مرسي بتاريخ 2 يوليو 2013 برفض ما ورد في بيان القوات المسلحة متمسكاً بموقفه وحث أتباعه على الجهاد والتمسك بالشرعية.
وبعد انتهاء المهلة في 3 يوليو أعلن وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي إنهاء حكم الرئيس محمد مرسي على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وتبع ذلك البيان احتفالات في ميدان التحرير والاتحادية وفي كافة شوارع وميادين مصر وعلت الزغاريت وكان الجميع يهنئون بعضهم بفرحة عارمة.
في 4 يوليو أدى عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العمومية للمحكمة رئيسًا مؤقتًا لمصر.
لكن، لا ينبغي أن ننسى ما حدث بعد ذلك، حيث قامت جماعة الإخوان بأعمال عنف وإرهاب استنكرها الشعب المصري.
30 يونيو فيها تجسدت شجاعة شعب واجه جماعة إرهابية بكل إصرار وضحى من أجل حماية وطنه. وإذا عاد الزمن وأتيحت الفرصة، فإننا سنختار مصر دائمًا وأبدًا، وسنرفض حكم الجماعات الإرهابية بكل قوة وإصرار.