يتوجه الإيرانيون، غدا الجمعة، إلى مراكز الاقتراع لانتخاب رئيس جديد خلفا لإبراهيم رئيسي، الذي قتل في 19 مايو/أيار، بحادث تحطم مروحية.
وبعد أسابيع من الدعاية المكثفة للمرشحين، والمناظرات التلفزيونية الخمسة التي تخللتها تهم متبادلة وهجمات حاول كل طرف فيها ضرب خصمه لكسب المزيد من الأصوات، دخلت إيران مرحلة الصمت الانتخابي، وسط توقعات بعدم حسم الانتخابات من جولتها الأولى.
واللافت هي الفوضى والغموض التي سادت جبهة الأصوليين، حيث لم تتوصل الأطراف في هذا التيار حتى الآن، إلى اتفاق يقيها مخاطر تشتت الأصوات، مقابل إجماع الإصلاحيين على مرشح واحد هو مسعود بزشكيان.
ورفض كل من سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف الانسحاب، ولم يترك الساحة سوى مرشحان مغموران، هما قاضي زاده هاشمي وعلي رضا زاكاني، اللذان طالبا جليلي وقاليباف بتغليب صوت العقل والوحدة في وجه التيار الإصلاحي ومرشحه بزشكيان.
ورئيس الجمهورية في إيران هو رأس السلطة التنفيذية، وهي إحدى أبرز هيئات الحكم إلى جانب السلطتين التشريعية “مجلس الشورى الإسلامي” والقضائية. إلا أن رأس الدولة وصاحب الكلمة الفصل في سياساتها العليا هو المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي.
ويشغل آية الله خامنئي (85 عاما) منصب المرشد، منذ 35 عاما، بعيد وفاة مؤسس الجمهورية آية الله روح الله الخميني.
ويؤدي الرئيس الذي ينتخب لولاية مدتها 4 سنوات، دورا مهما في توجيه الحكومة وسياساتها الداخلية والخارجية، علما بأن لا منصب رئيس للوزراء في الجمهورية.
وفي حين أن المرشد الأعلى للبلاد له الكلمة العليا في جميع الشؤون، إلا أن الرئيس الإيراني له بعض التأثير على السياسة الداخلية والخارجية.
وحسب المعايير الغربية ومنظمات حقوقية “لا تعتبر الانتخابات في إيران حرة أو نزيهة”، إذ يخضع المرشحون لفحص صارم من مجلس صيانة الدستور.
وفي هذه الانتخابات قلص مجلس صيانة الدستور قائمة المرشحين من 80 شخصا إلى ستة مرشحين، واستبعد 7 نساء، ورئيسا سابقا (أحمدي نجاد) والعديد من المسؤولين الحكوميين والمشرعين والوزراء.
وتولى نجاد (67 عاما) رشاءة إيران لولايتين بين العامين 2005 و2013، وهذه هي المرة الثالثة يتم فيها استبعاده من خوض السباق الرئاسي بعد 2017 و2021.
كما رفض مجلس صيانة الدستور، المؤلَّف من 12 عضوا هم 6 رجال دين يعينهم المرشد الأعلى و6 من ذوي الاختصاص يرشحهم رئيس السلطة القضائية، طلب الرئيس السابق لمجلس الشورى المعتدل علي لاريجاني، على غرار ما فعل في 2021.
ولا يكشف مجلس صيانة الدستور عادة الأسباب الموجبة لخياراته.
وفي عهد خامنئي، يحافظ النظام على موقفه المتمثل في عدم الموافقة على مشاركة النساء أو أي شخص يدعو إلى تغيير جذري في حكومة البلاد في الاقتراع.
مع ذلك، دعا خامنئي في الأيام الأخيرة إلى مشاركة “الحد الأقصى” في التصويت، بينما أصدر أيضا تحذيرا مبطنا لبزشكيان وحلفائه بشأن الاعتماد على الولايات المتحدة.
وستحظى هذه الانتخابات باهتمام دولي نظرا لدور إيران الرئيسي في الشرق الأوسط، على خلفية الحرب في قطاع غزة والمخاوف بشأن برنامجها النووي.
وهذه الانتخابات تمنح “القيادة الإيرانية” إمكانية إظهار قدرتها على التعامل مع كارثة مثل الوفاة غير المتوقعة لرئيسي، من دون زعزعة استقرار البلاد، على الرغم من وجود توترات مع قوى داخل البلاد وخارجها.
كما أنها تذكّر الناس في إيران، بأنه على الرغم من أن إيران دولة ثيوقراطية إلا أنها تجري انتخابات لمناصب حكومية.
ولكن بالنهاية من يسمح لهم بالترشح للرئاسة يتم اختيارهم بعناية، وإذا فاز المرشح المقرب من القيادة الدينية، ستزعم الحكومة أنه يمثل انتصارا لنهجها السياسي.
وكانت الانتخابات الرئاسية مقررة في ربيع عام 2025، لكن تم تقديمها إلى 28 يونيو/حزيران، بعد مصرع رئيسي و7 مرافقين له، أبرزهم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، في تحطم مروحية (شمال غرب البلاد)، في 19 مايو/أيار.
ويتولى رئاسة إيران بشكل مؤقت منذاك محمد مخبر النائب الأول لرئيسي، حيث عمل على إجراء انتخابات جديدة في مهلة 50 يوما، حسب ما يقتضيه الدستور.
ويمكن فرز الأصوات بحلول 30 يونيو/حزيران، ولكن إذا لم يفز أي مرشح بالأغلبية، يدخل المرشحان الأكثر حصولا على الأصوات على إعادة انتخابات، ما قد يمدد الجدول الزمني لاختيار رئيس للبلاد.
ودُعي حوالى 61 مليون ناخب للتوجه إلى مراكز الاقتراع التي تفتح أبوابها الجمعة عند الساعة الثامنة صباحاً (3:30 بتوقيت غرينتش).
وشهدت الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت في عام 2021، أكبر نسبة امتناع عن التصويت منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979، وصلت إلى 51%، في وقت لم تُقَر أهلية أيّ مرشّح إصلاحي لخوضها.
وإذا لم يحصل أي من المرشحين على أكثر من نصف الأصوات، ستجري جولة ثانية في 5 يوليو/تموز، الأمر الذي لم يحصل إلا مرة واحدة منذ قيام الجمهورية الإسلامية قبل 45 عاماً، وذلك خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2005.
وفي عددها الصادر الخميس، تطرقت صحيفة “خراسان” الأصولية، إلى السيناريوهات المحتملة للانتخابات، ولفتت إلى وحدة التيار الإصلاحي، واختلاف الأصوليين بشكل ينذر بتشتت أصوات أنصار هذا التيار.
وأشارت إلى أن كلا من المرشحين الأصوليين أكدوا عدم انسحابهم بسبب ما تظهره استطلاعات الرأي المتضاربة من تقدم كل منهم على الآخر، والاعتقاد بأن الطرف الآخر هو الذي عليه الانسحاب وترك الساحة.
وتوقعت الصحيفة، بسبب اقتراب نسب المرشحين في كسب أصوات الناخبين، أن تدخل الانتخابات جولة ثانية.
وقالت إن احتمالية فوز الأصوليين في المرحلة الأولى أكثر من الثانية، ولهذا كان الأجدر بهم أن يتحدوا على مرشح واحد، لأن ذهاب الانتخابات إلى جولة ثانية ستكون لصالح التيار الإصلاحي.
الصحيفة الأصولية رأت أيضا أن تأهل جليلي مع بزشكيان إلى المرحلة الثانية ستعني تقريبا فوز الإصلاحيين في النهاية، لكن إذا ما انتقل قاليباف إلى الجولة الثانية فإن احتمالية فوزه على بزشكيان في الجولة الثانية تكون مرتفعة.
ونفت كذلك وجود فرصة لتأهل المرشحين الأصوليين جليلي وقاليباف معا إلى الجولة الثانية.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن محللين، أن بازشكيان بحاجة إلى إقبال واسع على التصويت في الانتخابات “وهو أمر غير مرجح نظرا لحالة اللامبالاة السائدة في البلاد”.
وأشارت الوكالة إلى أن حملة المرشح الإصلاحي، ركزت حتى الآن على جذب أصوات الشباب والنساء والأقليات العرقية في إيران.
ولا توجد مؤشرات على أن الإصلاحيين نجحوا في تحريك المياه الراكدة ودفع الكتلة الرمادية للتصويت.
ويبرز ذلك موقف فائزة هاشمي رفسنجاني، الابنة الثانية للرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني (1989-1997) التي تقبع في السجن بتهمة “تحريض مثيري الشغب على الاحتجاج في الشوارع”.
وموقف فائزة كشخصية إصلاحية بارزة، بأنها لن تشارك في الانتخابات يعني أن هناك نخبا إصلاحية لم تقتنع بعد بالمشاركة، وتدرك أنه لن تكون هناك مشاركة واسعة.