ظلام دامس، وصوت طلقات يخرج من كل مكان، شخصًا جريحًا ينزف وهو لا يقوى على النهوض، يتوارى خلف بقايا منازل شهدت على ظلم ساكنيها، في الجانب الأخر تسمع أمراه همسات لشاب يقرأ الشهادتين فلا تتردد في إنقاذ الشاب لتقطع المسافة بينها وبين الشاب في موقف بطولي وهي تحني ظهرها، ولا تأهب لصوت زخات الرصاص المتطاير من كل اتجاه، لتستطيع بشجاعتها المنفردة الوصول إلى الشاب وإنقاذه من بين براثن الرصاص، أميرة العسولي، طبيبة فلسطينية، تعمل في مجمع ناصر الطبي.
لم تكن قصة العسولي الوحيدة التي ظهرت على شاشات الكاميرات المختلفة، بل هناك العديد من النساء الفدائيات التي أصبحن رموزًا يحتذي بها خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة.
نساء غزة دائمًا ما يظهرن في مواقف البطولة المشرفة، فهذه الحرب ليست الأولى على غزة، بل على مدى التاريخ وفي حروب سابقة أثبتن مدى شجاعتهن وقدرتهن على مواجهة طلقات الاحتلال الغاشم.
أميرة العسولي
تصدرت الطبيبة الفلسطينية أميرة العسولي وسائل التواصل بعد قيامها بفعل بطولي لإنقاذ شاب مصاب أمام مجمع ناصر الطبي في خانيونس بغزة، فقد أظهرت شجاعتها وتحديها للرصاص والقذائف لنقل المصاب، تجاهلت خطر القناصة الإسرائيلية بمساعدتها رافضة أن تكون متفرجة، وعبرت العسولي عن تفانيها في مساعدة الآخرين، مؤكدة أن واجبها هو إنقاذ الآخرين دون التفكير في نفسها.
وقد تجسدت رسالتها في عمل إنساني حين عادت إلى غزة خلال العدوان، لتقديم الرعاية للمصابين والمرضى، معبرة عن استعدادها للتفكير في إنقاذ الآخرين دون خوف، تبرز قصة العسولي الإخلاص والتضحية كجزء من تحديات المجتمع الطبي في ظل الأحداث المؤلمة في غزة.
ويبدو أن ما حدث مع الطبيبة العسولي غير غريب في غزة، حيث أعادت الأحداث المؤلمة في الفترة الأخيرة صياغة أولويات الفرق الطبية، وقد أثبتت قصص الإخلاص والتضحية تأثيرها في مواجهة التحديات.
رزان النجار
رزان النجار، الممرضة والمتطوعة الشابة، كانت تتحرك بجرأة ورداء أبيض في مسيرات العودة بين غزة والمناطق المحتلة، كانت تقدم الإسعاف للمصابين وتصل إلى السياج الفاصل لمساعدة المصابين، واستشهدت برصاص قناص إسرائيلي، ورغم نهاية حياتها المأساوية، أصبحت رمزًا للمسعفين في المنطقة.
استفاق الرأي العام على استشهادها، وكانت وفاتها بمثابة صدمة للفلسطينيين، خاصة بعد مرحلة تصعيد مع الاحتلال، رحيلها خلف جرحًا عميقًا في قلوب الفلسطينيين، وكانت مشاهد الألم حاضرة حول جثمانها في المستشفى، حيث انتشرت البكاء والحزن بين زملائها وعائلتها.
عهد التميمي
عهد التميمي، الشابة الفلسطينية، أثارت الاهتمام الشعبي والإعلامي بسبب مواقفها الجريئة ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي، في سن السابعة عشر، أمضت ثمانية أشهر في السجن بتهمة صفع جندي وركله، حيث دافعت عن أفراد عائلتها، كما انتشرت مقاطع فيديو لها منذ سن صغيرة، تظهر في إحداها وهي تهدد جنديًا، وفي أخرى تعض يد جندي آخر.
تصاحبها رؤية متناقضة، حيث يروّج البعض لشجاعتها ويعتبرونها أيقونة وطنية، في حين يصفها بعض الإسرائيليين بأنها شخصية عنيفة ومستفزة تستخدم للشهرة، معتبرين أن عائلتها استغلتها لفترة طويلة في تصويرها بشكل معين، يظهر وجه عهد في كل مكان، حيث انتشرت صورها في المظاهرات وأصبحت رمزًا للمقاومة الفلسطينية، وتم اعتقالها في سجون الاحتلال، ثم الإفراج عنها، ثم اعتقالها من جديد بعد حدوث عملية طوفان الأقصى.
أم نضال فرحات
مريم محمد أو أم نضال فرحات كما كان ينادي عليها، هي رفيقة للنضال وقيادية في حماس، وكانت نائبة في المجلس التشريعي بغزة، وُلدت عام 1949 وعاشت حياة حافلة بقصص الفداء، اشتهرت بلقب “خنساء فلسطين” بسبب تضحيات أبنائها في صفوف كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، توفيت بعد صراع مع المرض في عام 2013.
لم تقتصر نشاطاتها على النضال، بل حثت أبناءها على الانخراط في كتائب القسام، وكان لديها 6 أبناء و4 بنات، اشتهرت عام 2002 بفيديو يُظهر وداعها لابنها محمد، الذي نفذ عملية فدائية في مستوطنة إسرائيلية، تلقّت بصبر وثبات خبر استشهاد أبنائها، وأطلق عليها لقب “خنساء فلسطين”.
استمر التضحية في عائلتها، حيث اغتيل ابنها نضال في عام 2003، وابنها رواد في عام 2005، استقبلت أخبار استشهادهم بنفس الصبر والفرح، أما ابنها وسام أمضى 11 عامًا في سجون الاحتلال قبل الإفراج عنه في عام 2005، لكنه اغتيل بعد وفاة والدته.
إسراء جعابيص
إسراء جعابيص، هي أسيرة فلسطينية، تعرضت لحادث حريق أثناء عودتها من عملها في القدس عام 2015، وأصيبت بحروق بليغة وتشوه وجهها وظهرها، وبترت 8 أصابع في كلتا يديها، وهي أم لطفل وحيد وزوجها مقعد بسبب حادث سير، كانت تعمل في دار للمسنين ودرست في كلية التربية، اعتقلت بتهمة ملفقة بحسب نادي الأسير وحكم عليها بالسجن 11 عامًا.
ورغم حاجتها الماسة إلى علاج وتجميل بسبب الحروق، واجهت الإهمال الطبي في السجن، وعانت من آلام وسخونة دائمة في جلدها، مما جعلها غير قادرة على ارتداء الأقمشة، ورفضت إدارة السجون توفير بدلة خاصة لعلاج الحروق، وظهرت في شريط فيديو خلال محاكمتها وتحدثت بألم عن وضعها الصعب والعديد من التحديات التي تواجهها.
دعاء شرف
تبرز الصحافة في فلسطين قصص نساء استثنائيات، مثل الصحافية دعاء شرف من إذاعة الأقصى، التي كانت تنقل جرائم الاحتلال بدون خوف، وتعرضت لاستهداف من قناص إسرائيلي خلال العدوان الحالي، ورغم ذلك، أصرت على نقل جريمة قصف منزلها ومصرع ابنها الصغير للعالم.
شيرين أبو عاقلة
شيرين أبو عاقلة، الصحافية الفلسطينية البارزة، ولدت في القدس ودرست الهندسة المعمارية قبل أن تنتقل إلى ميدان الصحافة، عملت مع عدة وسائل إعلام، وانضمت إلى قناة الجزيرة في عام 1997، حيث أصبحت واحدة من أبرز الوجوه في تغطية الأحداث في الأراضي الفلسطينية، قتلت في جنين خلال عملية أمنية إسرائيلية، تعد شيرين أبو عاقلة أيقونة صحفية وشخصية هامة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث نُعت بالاغتيال ووصفت بشجاعتها وأخلاقها العالية.
تمر أعوام خلف أعوام والعالم أجمع يقف أمام القضية الفلسطينية مشاهدًا فقط، كما أنهم يظلوا واقفين في حالة من الذهول أمام قصص بطولتهم، لا أحد يتحرك وهو يرى ما يحدث في النساء والأطفال المشردين في شوارع أرضهم، يعانوا من بطش الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يحترم أدني مبادئ القانون.
وتبرز هذه القصص النسائية الروح الإنسانية والتضامنية للفلسطينيين في مواجهة التحديات الصعبة التي اليومية، وتعكس تمسكهم الدائم بأرضههم وقضيتهم، وأنهم لن يسمحوا لغاصب بطردهم منها حتى وإن كان الثمن حياتهم.