أثار قرار أوكرانيا بعدم إجراء انتخابات رئاسية وسط الغزو الروسي والأحكام العرفية تساؤلات حساسة حول موقف زيلينسكي، إذ تنتهي فترة ولاية زيلينسكي الرئاسية التي تبلغ خمس سنوات في 20 مايو القادم.
وعندما تم تنصيبه، وعد الرئيس الأوكراني بإحلال السلام في أوكرانيا، واجتثاث النخبة الفاسدة، والخدمة لفترة ولاية واحدة فقط كرئيس.
لكن الوقت «سيد قاسي ومتقلب»، فالآن أصبحت أوكرانيا متورطة في حرب واسعة النطاق، وهي تدافع عن نفسها ضد العدوان الروسي، وتعاني السياسة الداخلية من الفساد، كما أن زيلينسكي متهم بالسعي لاغتصاب السلطة.
وبما أنه من المستحيل إجراء انتخابات أثناء تطبيق الأحكام العرفية، فإن زيلينسكي سيبقى في السلطة بعد انتهاء فترة ولايته، وهو ما يخلق مشكلة غير متوقعة للديمقراطية الأوكرانية.
وتعود الشكوك حول بقاء زيلينسكي في منصبه بعد 20 مايو إلى غموض القانون الأوكراني.
ففي حين أن الدستور لا يحظر صراحة إجراء انتخابات رئاسية في ظل الأحكام العرفية، فإنه ينص أيضًا على أن الرئيس يجب أن يستمر في منصبه حتى يتم انتخاب خلف له «المادة 108»، وأن تستمر الولاية الرئاسية لمدة خمس سنوات «المادة 103».
ويشير المحامون الأوكرانيون إلى أن غياب آلية لتمديد ولاية الرئيس هو إغفال متعمد، وذلك للحد من مخاطر إساءة استخدام السلطة.
وفي الوقت نفسه، يحظر قانون الانتخابات الأوكراني إجراء الانتخابات أثناء الأحكام العرفية.
ويؤكد المسؤولون أنه بعد 20 مايو، سيصبح زيلينسكي رئيسًا بالوكالة حتى الانتخابات المقبلة.
ومع ذلك، فإن خصومه يفسرون القانون بطريقة تجعلهم يجادلون بأن رئيس البرلمان الأوكراني هو الذي يجب أن يصبح رئيسًا بالنيابة: فهذا هو الشخص الذي يعتبره الدستور هو التالي في الصف، إذا لم يعد الرئيس قادرًا على أداء واجباته.
هناك سابقة في التاريخ الأوكراني الحديث، حيث أصبح رئيس البرلمان رئيساً بالنيابة، في عام 2014، عندما فر الرئيس فيكتور يانوكوفيتش من البلاد وسط انتفاضة شعبية في كييف.
وبعد رحيل يانوكوفيتش المفاجئ، أصبح رئيس البرلمان أولكسندر تورتشينوف رئيسًا بالنيابة، ثم سلم السلطة إلى بيترو بوروشينكو، الفائز في الانتخابات الرئاسية اللاحقة.
ومن غير المستغرب أن زيلينسكى ليس من محبي هذا الخيار، كما أن رسلان ستيفانشوك رئيس البرلمان الحالي وعضو حزب «خادم الشعب» الموالي لزيلينسكي، لا يسعى للرئاسة.
وقد أكد بالفعل علنًا أن زيلينسكي سيتولى منصب الرئيس بالنيابة حتى إجراء الانتخابات.
ومع ذلك، لم يعد البرلمان يقبل زيلينسكي بلا شك كما كان من قبل.
وقد صرح دافيد أراخاميا رئيس فصيل خادم الشعب في البرلمان، علناً أن الإجماع السياسي الذي كان موجوداً في بداية الغزو الروسي واسع النطاق قد انهار.
وهذا يعني أنه من الممكن أن يكون هناك رئيس مختلف في البرلمان: شخص قد يسعى إلى تعيين رئيس بالنيابة.
ونظرًا للانقسامات العميقة في حزب «خادم الشعب»، قد يحاول معارضو زيلينسكي إعادة هيكلة الأغلبية البرلمانية بعد 20 مايو، في محاولة لإجبار الرئيس على تسليم السلطة لرئيس جديد.
ويمكن للمحكمة الدستورية الأوكرانية أن تحل هذا النزاع، لكن مكتب زيلينسكي غير راغب في إشراكه.
فوفق مراقبين، فإنه يمكن تفسير مثل هذه الخطوة على أنها دليل على وجود شكوك حتى بين فريق زيلينسكي حول شرعيته.
ويخوض زيلينسكي نزاعًا طويل الأمد مع قضاة المحكمة الدستورية بشأن مقاومتهم لتشريعات مكافحة الفساد.
ولذلك، يمكن للمحكمة أن تصدر حكما من شأنه أن يزيد الوضع تعقيدا.
وبطبيعة الحال، من غير المرجح أن تزعج الاتهامات الموجهة ضد زيلينسكي الأوكرانيين العاديين، ولكن إذا كانت مصحوبة بمشاكل عسكرية واجتماعية كبيرة، فمن الممكن أن تصبح أكثر خطورة.
وفي الوقت الحالي، يقف الرأي العام إلى جانب زيلينسكي.
فوفقًا لاستطلاع أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع في فبراير، يريد 69% من الأوكرانيين أن يستمر زيلينسكي كرئيس حتى يتم رفع الأحكام العرفية، ويريد 15% منه البقاء حتى إجراء انتخابات جديدة.
ويريد 10% فقط أن يروا رئيس البرلمان يصبح رئيساً بالوكالة.
ويود ما يصل إلى 53% أن يترشح زيلينسكي لولاية ثانية، على الرغم من أن هذا الرقم آخذ في الانخفاض تدريجيا.
وبالنسبة إلى الخصم الرئيسي لزيلينسكي، وهو الرئيس السابق بوروشينكو، فإن قضية الشرعية هي وسيلة مفيدة لممارسة الضغط، بهدف إجبار الحكومة على تقاسم السلطة في ائتلاف أوسع.
ويتحدث بعض حلفاء زيلينسكي السابقين أيضًا عن هذه القضية.
ويعتقد رئيس البرلمان السابق دميترو رازومكوف، أن فترة ولاية الرئيس تنتهي في 20 مايو، ويجب عليه التنازل عن السلطة لرئيس البرلمان.
واتهم النائب البرلماني المؤثر سابقًا أولكسندر دوبينسكي «الذي يخضع حاليًا للتحقيق بتهم الخيانة»، زيلينسكي، مباشرة باغتصاب السلطة.
وبطبيعة الحال، سيبذل القائمون على الدعاية في الكرملين قصارى جهدهم لتضخيم التساؤلات حول شرعية زيلينسكي.
والسرد واضح: فقد تم انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية الروسية في مارس، في حين ألغى زيلينسكي الانتخابات الأوكرانية.
والمشكلة الرئيسية هي أن زيلينسكي أصبح متوترًا وبدأ يبالغ في رد فعله تجاه مزاعم عدم الشرعية.
ومنذ إقالة الجنرال فاليري زالوزني، القائد العسكري الأعلى في أوكرانيا، والتي هزت ثقة الجمهور في زيلينسكي، بدأ الرئيس في استخدام خطاب مبتذل وغير مقنع حول محاولات غير محددة «لهز القارب».
وقد حذر من مخاطر حدوث نوع ما من الانتفاضة، وألمح إلى أن أي محاولات للتشكيك في شرعيته سوف ينظر إليها على أنها جزء من مؤامرة معادية لزعزعة استقرار البلاد.
ويناقش المسؤولون أيضًا الرد الذي قد يشمل إغلاق تطبيق المراسلة الشهير «الإجرامي».
ومن المحتم أن يسعى الكرملين إلى الترويج لأي إشارة إلى أن الحكومة الأوكرانية غير شرعية، وقد كان ذلك عنصرًا أساسيًا في الدعاية الروسية لمدة عقد من الزمن.
ولطالما أشار بوتين إلى ثورة 2014 في أوكرانيا على أنها «انقلاب».
ولهذا السبب، من المرجح أن ينظر معظم الأوكرانيين إلى تصريحات زيلينسكي حول المؤامرات المؤيدة للكرملين على أنها محاولة لترهيب معارضيه.
وبعبارة أخرى، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية.
ويخلص القول إلى أن الوضع مليء بالسخرية القاتمة، فقد كان التحول المنتظم للسلطة أحد إنجازات الديمقراطية الأوكرانية، مما يميزها عن معظم دول ما بعد الاتحاد السوفيتي الأخرى، وخاصة روسيا وبيلاروسيا.
وليس من المستغرب أن يكون حتى أدنى تهديد لهذا الإنجاز كافياً لإرسال موجات صادمة إلى المجتمع الأوكراني ونخبته السياسية.