على الرغم من تكثيف الجيش الإسرائيلي غاراته الجوية على قطاع غزة، في إطار حربه ضد حماس، إلا أن آلاف العائلات الفلسطينية في غزة تواجه ضربة أخرى، حيث تنتظر آلاف الشاحنات المرور عبر المعبر الحدودي، بينما تتبادل إسرائيل والأمم المتحدة اللوم على بعضهما البعض في الحصار.
وفي خضم الهجمات الجوية والبرية التي تشنها إسرائيل، تدور معركة أخرى على الأرض، حيث تعاني آلاف الأسر الفلسطينية من الجوع، بينما لا تبعد عنهم سوى بضعة كيلومترات المساعدات الغذائية.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي قال إنه يراقب “عملية توصيل المساعدات” عند معبر كرم أبوسالم، إلا أن وكالات إنسانية قالت إن اللاجئين ما زالوا يكافحون من أجل الحصول على مساعدات حيوية في جنوب غزة، وأرجعوا ذلك إلى أن نقل واستلام البضائع أصبح عملية خطيرة.
وتوفي السبت، طفل آخر بسبب سوء التغذية في مستشفى كمال عدوان شمال غزة، ليرتفع العدد الإجمالي هذا الأسبوع إلى أربعة، وسط استمرار القيود الإسرائيلية على المساعدات.
ووفق مدير المركز الصحي حسام أبو صفية، إن المستشفى قام خلال الأسبوعين الماضيين بتشخيص أعراض سوء التغذية لدى أكثر من 250 طفلا، محذرا من أن قطاع غزة “يواجه أزمة صحية حقيقية تؤثر في البداية على الأطفال وقد تمتد إلى البالغين”.
ورفضت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الادعاءات بأنها تعاني من نقص الموظفين أو عدم الكفاءة، مشيرة إلى صعوبات العمل في منطقة حرب نشطة.
وبحسبهم، فإن القصف الإسرائيلي ألحق أضرارا بالبنية التحتية وقلل من القدرة التشغيلية.
وقالت جماعات الإغاثة، إن نظام المساعدات المنهك في غزة انهار في مايو/أيار، عندما بدأت إسرائيل غزوها العسكري البري لمدينة رفح الجنوبية المزدحمة، قائلة إنها كانت تستهدف ما تبقى من كتائب مقاتلي حماس هناك.
واضطر ما يقدر بنحو مليون فلسطيني، معظمهم من النازحين بالفعل بسبب القتال، إلى الفرار، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
وفي الوقت نفسه، فقدت منظمات الإغاثة إمكانية الوصول إلى مراكز التخزين والتوزيع المهمة.
وتشن إسرائيل عملية برية واسعة في محافظة رفح، جنوبي القطاع، منذ أكثر من شهر، قامت على إثرها بالسيطرة الكاملة على معبري رفح مع الجانب المصري وكرم أبوسالم التجاري الوحيد بين إسرائيل وغزة، وتسبب ذلك في تراجع وصل حد توقف البضائع والمساعدات إلى مناطق القطاع إثر العملية العسكرية في رفح.
وكان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، قال إن منع الاحتلال إدخال الوقود إلى القطاع أدى إلى توقف أكثر من 98% من مخابز قطاع غزة عن العمل بسبب انعدام غاز الطهي.
كذلك توقف أكثر من 700 بئر للمياه عن العمل بسبب الاستهداف ومنع إدخال الوقود، مما يُعزز فرص تعميق المجاعة والعطش ضد المدنيين وخاصة ضد الأطفال والنساء.
من جهته، يوضح المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” عدنان أبوحسنة، أن القطاع يحتاج يوميًا إلى 200 ألف ليتر من الوقود لتشغيل المناطق الحيوية مثل مضخات تحلية المياه والصرف الصحي والبلديات وعمليات الأونروا وعربات المنظمات غير الحكومية والأممية التي تقدّر أعدادها بالمئات.
ويوكد أن ما يدخل إلى القطاع يمثل 29% من هذه الكمية.
ويشرح أبوحسنة أن الوقود يدخل إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، حيث تتسلمه الأونروا بالاشتراك مع منظمات أخرى كمنظمة الصحة العالمية واليونيسف، ثم يتم توزيعه داخل القطاع.
ويشير أبوحسنة إلى أن جميع المنظمات الدولية تنسق مع الاحتلال، لافتًا إلى أن المشكلة ليست في التنسيق بل في “القرار السياسي وإرادة إسرائيل”.
ويقول: “لو أرادت إسرائيل لأدخلت نصف مليون ليتر يوميًا من الوقود إلى غزة”، مؤكدًا أن حاجات القطاع معلومة لدى الاحتلال والإدارة الأمريكية.
ويشير إلى عدم وجود نظام يجبر إسرائيل على إدخال كميات محددة من الوقود.
وتعتمد المستشفيات والمراكز والمنشآت الصحية على المشتقات النفطية اعتمادًا كليًا في تزويدها بالطاقة لتشغيل الأجهزة الطبية والتشخيصية والعلاجية وسيارات الإسعاف والطوارئ، ونقل الأطباء والمسعفين والعاملين الصحيين.
وأدى نفاد الوقود إلى خروج أغلبية مستشفيات القطاع عن الخدمة، بل حتى تلك التي تعمل، بما فيها مستشفى كمال عدوان الذي حذّرت وزارة الصحة من أنّه قد يخرج عن الخدمة مرة أخرى.
ويعمل هذا المستشفى بالحد الأدنى للوقود، إذ اضطر الأطباء إلى إجراء عمليات جراحية دقيقة على ضوء شاشات الهواتف، كما تم وقف استخدام غرف العناية المركّزة ببعض المستشفيات توفيرًا للوقود.
وليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها مناطق شمال قطاع لهذا النقص الحاد في المواد الغذائية لا سيما الخضراوات واللحوم والفاكهة.
فقد شهدت المنطقة التي يعيش بها نحو 700 ألف فلسطيني الأجواء نفسها قبل حوالي ثلاثة أشهر، عقب قيام إسرائيل بشق طريق عرضي كبير يفصل مناطق الشمال عن الجنوب ويتحكم بشكل كبير في تدفق المساعدات أو البضائع شمالا.
ويصطف المئات من الأطفال يومياً في طوابير طويلة أمام ما يعرف محليا بتكايا الطعام، في انتظار دورهم للحصول على ما يتوفر من طعام يعده لهم بعض المتبرعين.
والتكية هي مكان يقدم فيه الطعام للفقراء أو المسافرين، ويتحصلون على ما يطبخونه من مؤسسات دولية ومتبرعين ولكنهم مؤخرا أيضا يعانون من صعوبات في الحصول على المقادير اللازمة لعمل وجبات.
فيما ينهمك آخرون في مهمة قد تكون أكثر صعوبة، يقطعون مسافات طويلة بحثا عن المياه التي لا تتوفر أيضا بالكميات الكافية.
والكثير من التكايا جاء بمبادرات شخصية من بعض ميسوري الحال في شمال غزة ويقومون بها كنوع من التكافل الاجتماعي رغم معاناتهم المستمرة في الحصول على مواد تموينية، لكن استمرار هذه التكايا ليس مضمونا مع استمرار النقص الحاد في كل مستلزمات الحياة.
وحذرت منظمة الصحة العالمية، الخميس، من مجاعة خطيرة تعصف بسكان قطاع غزة، موضحة أنه “لا دليل على وصول المساعدات الإنسانية إلى من يحتاج إليها بصورة ملحة، وهناك نقص حاد في المياه النظيفة والصرف الصحي”.
وأمام ذلك، انتشرت بعض الأمراض في صفوف النساء والأطفال بسبب سوء التغذية وعدم توفر الرعاية الصحية، حسبما يقول الأطباء القليلون الذين لا يزالون يعملون في شمال القطاع.
ومن بين تلك الأمراض الكساح وفقر الدم والالتهاب الكبدي الوبائي.
ويرجح وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، أن نصف سكان قطاع غزة سيعانون الموت والمجاعة بحلول منتصف يوليو/تموز المقبل إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن.
ويشير غريفيث إلى أن “أموراً فنية هي التي تمنع إعلان المجاعات حيث يموت الناس من الجوع بالفعل” في تلك المناطق.
وبشكل عام، يتم الإعلان عن أن منطقة ما تعاني رسمياً من المجاعة من قبل الأمم المتحدة، أحياناً بالاشتراك مع حكومة البلاد، وغالباً جنباً إلى جنب مع منظمات الإغاثة الدولية الأخرى أو الوكالات الإنسانية.
ولكن لكي يتم إعلان المجاعة رسمياً، يجب أن تحدث ثلاثة أشياء في منطقة جغرافية محددة وهي أن تواجه ما لا يقل عن 20% من الأسر نقصاً شديداً في الغذاء، وأن يعاني ما لا يقل عن 30% من الأطفال من سوء التغذية الحاد ويموت شخصان بالغان أو أربعة أطفال من كلّ عشرة ألاف شخص كلّ يوم “بسبب الجوع المباشر أو تفاعل سوء التغذية والمرض”.