حمزة يسعي للعودة للجامعة.. و حمزاوي يبارك الحوار الوطني
وائل غنيم يعتزل السياسة.. و الهواري تفرغ للبيزنس
في لحظة ما، يكون الاختيار صعبًا وقاسيًا، إما أن تعارض السلطة وسياساتها وقرارتها وانحيازاتها من الداخل، وتتحمل التبعات وتدفع الثمن، وإما التوجه إلى المطار في صمت والرحيل في صمت، وكسر الصمت بعد إقلاع الطائرة، والتوجه إلى منفاك الاختياري الذي تحدده وفقًا لعلاقاتك وصداقاتك هناك وراحتك النفسية.
عدد كبير من المعارضين للسلطة سافروا للخارج وعارضوا بشراسة من الخارج وارتفعت أصواتهم إلى عنان السماء من الخارج، الكثير منهم أغراه رغد العيش “وبحبوحة” الحياة، وآخرون انقطعت بهم السبل فلا هم قادرون على العودة ولا هم قادرون على الاستمرار في الخارج، وعدد قليل منهم لم يتحمل البعد عن أرض الوطن، رغم امتلاكهم الإمكانيات المادية التي كانت تمكنهم من البقاء خارج مصر طيلة حياتهم، ليعارضوا كيفما يريدون ويكتبوا ما يشاؤون ويغردوا بلا أي رقيب ولا حسيب، ولكن تاقت أرواحهم إلى مصر فتنازلوا عن حريتهم في الكتابة والمعارضة مقابل العودة إلى حضن الوطن، وهؤلاء لا يزيد عددهم عن أصابع اليدين.، فماذا يفعل العائدون إلى أرض الوطن الآن؟؟
ممدوح حمزة من المعارضة من بيروت إلى الصمت الرهيب
رغم أن الدكتور ممدوح حمزة تجاوز لقب “المليونير” وكان بإمكانه أن يستمتع بحياته بعيدا عن ألغام السياسة ومخاطرها، إلا أنه اختار أن يكون علي يسار السلطة دائمًا وأبدًا، فعل ذلك في عهد مبارك، وعارضه بشراسة خاصة وزيره محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق، وكان من أوائل المشاركين في ثورة يناير، وتكفل على نفقته الخاصة بمصاريف الإعاشة للشباب الذين كانوا متواجدين في ميدان التحرير ويخشون ترك الميدان خوفًا من ضياع الثورة، فكان من رموز يناير البارزين، وبعدها عارض الإخوان بشراسة تفوق شراسة معارضته لمبارك، وكان من المشاركين بقوة في 30 يونيو و3 يوليو، وبعد فترة إشادة قصيرة بسلطة ما بعد 30 يونيو، عاد حمزة لمعسكر المعارضة مجددًا، وإلى مربع يسار السلطة الذي يعيش بداخله، وبعد أن أيقن أن المعارضة من الداخل أصبحت تشكل خطرًا حقيقيًا عليه وعلى حريته، اختار بيروت ليعارض من هناك، ويوجه انتقادات حادة وصارمة ولاذعة للسلطة الحالية، ويبدي ندمه على ما فعله في عهد الإخوان مقدمًا شبه اعتذار لهم، وترتب على ذلك وضعه على قوائم الإرهاب وصدور أحكام قضائية ضده في قضايا عديدة.
ولكن حمزة الذي كان بإمكانه أن يعيش في بيروت إلى آخر يوم في عمره ليعارض كيفما يحلو له وكان بإمكانه أن يتجول في جميع دول العالم، لم يستطع أن يبعد عن تراب مصر أكثر من ذلك، وأنهكه الحنين للوطن، فطلب الرجوع مع بداية الحوار الوطني، وقبلها سعى لإسقاط كل التهم والأحكام التي صدرت ضده، وبعد رجوعه اختار الصمت، ويسعى حمزة حاليًا للعودة إلى التدريس في الجامعة، مكتفيًا بالدفئ العائلي مع أسرته وأحفاده.
وائل غنيم من واشنطن إلى تراب القاهرة
كان وائل غنيم يحلم بأن يرى تمثال الحرية في مصر، فشارك في ثورة يناير بكل قوة وحماس، ثم شارك في 30 يونيو بكل إخلاص، فهو عاشق للحرية كاره للاستبداد أيا ما كان نوعه وأيا من كان مصدره، وحينما شعر أن عقارب الساعة تعود للوراء، عاد غنيم إلى منفاه الاختياري في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد فترة صمت، تغير كل شئ داخل غنيم، اهتزت قناعاته رأسًا على عقب، تصارعت في رأسه موجات عنيفة، راودته كل الأفكار وأولها الانتحار، شرب الحشيش في بث مباشر، حلق شعره زيرو، راجع نفسه عشرات المرات، ورغم كل موجات المد والجزر التي شهدتها منطقة التلفيف الجبهي السفلى من المخ عنده وهي المنطقة التي تستقبل كل الأفكار في المخ، لم يفقد غنيم عقله، فقط اختل توازنه، ثم تصالح مع نفسه واعتذر بكل شجاعة عن كل ما كان يعتقد أنه قمة الصواب وبعد مراجعته لنفسه تبين أنه قمة الخطأ، من وجهة نظره. اعتذر عن يناير واعتذر لأسرة مبارك، وهاجم الإخوان والسيسي وسلطته وهاجم كل منتقديه بألفاظ غير لائقة وبعدها اعتذر وبكى، لأنه من المجموعة التي تعد على أصابع اليدين ممن لا تستطيع أن تعيش خارج مصر طيلة حياتها مهما تهيأت لهم كل أسباب الرفاهية ومهما امتلكوا من أموال، فهناك صنف من الناس لو دانت له الدنيا وهو خارج وطنه يشعر أن هناك شيئا عظيما ينقصه ويؤرقه، وهو حضن الوطن.
وكما اختار غنيم منفاه بارادة حرة منفردة، سعى بنفس الإرادة للعودة لمصر معتذرًا عن كل تجاوزاته اللفظية بحق كل الأطراف، وتواصل غنيم عبر وسطاء أحيانا وبشكل مباشر أحيانا أخرى، مع السلطات في مصر، وبعد وعود صارمة بعدم التعرض له، عاد غنيم من منطقة اختلال التوازن في واشنطن إلى منطقة الصمت التام في القاهرة، وهو حاليًا يمارس حياته الاجتماعية بشكل طبيعي، يرفض مقابلة الأصدقاء المنخرطين في السياسة، ينشط أحيانًا على “الكلوب هاوس” ليتحدث في القضايا الاجتماعية، حدث طلاق بائن بينه وبين السياسة، يلتقي فقط بأسرته وأصدقاءه المقربين البعيدين عن السياسة.
حمزاوي و الهواري والعودة لمصر على طائرة الحوار الوطني
قبل 14 شهر وتحديدا منذ أن دعا الرئيس السيسي للحوار الوطني في رمضان قبل الفائت، لم يكن يتخيل أحد أن هناك وجوها ما سوف تعبر مطار القاهرة مرة أخرى، ومن أبرز تلك الوجوه الدكتور عمرو حمزاوي الناشط الحقوقي وأستاذ العلوم السياسة في الجامعة الأمريكية وياسر الهوارى عضو ائتلاف شباب ثورة يناير.
فحمزاوي ورغم أنه كان من أبرز الداعمين المؤيدين ل30 يونيو من أجل الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة بعد فشل الرئيس الراحل محمد مرسي في إدراة شئون الدولة بما يتوافق مع طموحات ثورة يناير، إلا أنه كان أيضا من أوائل الرافضين لأحداث 3 يوليو، وانسحب من المشهد السياسي بعد تلك الأحداث، وبعد فترة معافرة مع السلطة من أجل العودة للمسار الصحيح كما يراه حمزاوي، لم يجد أي آذان صاغية، وشعر كما شعر آخرون بأن عقارب الساعة تعود بمنتهى القوة للخلف، فعاد هو الآخر إلى واشنطن، واكتفى بالكتابة في صحيفة الشروق المصرية من هناك، وبعد الدعوة للحوار الوطني عاد حمزاوي إلى مصر مؤيدا ومباركا ومشاركا في جلسات الحوار الوطني، إلا أنه لم يترك هذه المرة العمل في أمريكا بشكل نهائي، وهو حاليا يقضي وقته ما بين القاهرة وواشنطن، وله مشاركات مسجلة في الحوار الوطني، وهو ما زال يراهن على أن الحوار الوطني قد يشكل علامة فارقة في المشهد المصري الحالي
أما ياسر الهوارى الذي سافر إلى قطر للظهور على قناة الجزيرة بعد أحداث 30 يونيو وما تلاها من أحداث ومنها فض رابعة والنهضة، باعتباره جزء من معسكر 30 يونيو المؤيد لكل الإجراءات التي اتخذتها سلطة 30 يونيو بحق جماعة الإخوان، وكان الهوارى يظهر في كل اللقاءات على قناة الجزيرة مدافعا عن السلطة مؤيدا لها بكل قوة، وشيئا فشيئا وبمرور الشهور والسنوات، تغير موقف الهوارى من مدافع عن السلطة إلى منتقد لها، ثم انتقل إلى مرحلة الهجوم، واختار أن يعيش في قطر، واشتغل في المقاولات هناك، ولكنه شعر بأن هناك حملا ثقيلا على قلبه، فتواصل مع عدد كبير من أصدقاءه من أجل أن يتواصلوا مع السلطة والأجهزة الأمنية ليسمحوا له بالعودة لمصر، ثم جاءت فرصة الحوار الوطني لتكون بمثابة طائرة إغاثة وإنقاذ الهوارى، فعاد من قطر وشارك في بعض جلسات الحوار الوطني مرحبا ومؤيدا ومباركا بكل قوة، وعاد للظهور على التلفزيونات الرسمية مرة أخرى، وهو يعمل حاليا في مجال المقاولات في مصر.