خلال الفترة الأخيرة شهدت مصر “حراكًا” سياسيًا كان ممنوعًا عنها وممنوعة عنه منذ أكثر من ٧ سنوات.
البداية كانت من إعلان أحمد الطنطاوي رئيس حزب الكرامة السابق عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة في مايو الماضي، وما صاحب إعلانه من ضجة سياسية وجدل عام بالسلب والإيجاب، ثم تجهيزه مقرًا والبدء الفعلي في تشكيل حملة رئاسية رسمية استعدادًا لفتح باب الترشح للاستحقاق الرئاسي، فضلًا عن لقاءاته بأعضاء الحركة المدنية الديمقراطية، وعدد من الشباب المتطوعين لحملته، وإعلانه انضمام الدكتور محمد غنيم للجنة الحكماء بحملته الرسمية.
بعد حالة “الحراك” التي صاحبت إعلان الطنطاوي ترشحه وما تبعها، أعلنت قوى ليبرالية تأسيس التيار الحر، وهو صيغة سياسية تضم عددًا من الرموز والقوى الليبرالية، وأصدر التيار بيانًا تأسيسيًا قال فيه كلامًا مهمًا عن رؤيته للتعامل مع المشكلة الاقتصادية، وكيفية تحرير الاقتصاد من أزماته، وربط ربطًا واضحًا بين الإصلاح الاقتصادي وبين الانتقال الديمقراطي الذي اعتبر البيان التأسيسي أنه ضرورة لأي نجاح يمكن تحقيقه في الملف الاقتصادي، ثم أعلنت القوى الليبرالية بالفعل تدشين التيار الحر في مؤتمر جمع مؤسسيه، وتحدث ممثلوه بكلام جدي عن الاقتصاد وانتخابات الرئاسة والحريات العامة.
مساحة “الحراك” التي انتزعها المجتمع وصلت إلى حزب الوفد، وفجرت خلافًا بين رئيسه وعدد من رموز الحزب حول الترشح لانتخابات الرئاسة، فضلًا عن ديمقراطية العمل والقرار بداخل الحزب.
هذا “الحراك” وغيره تفجر خلال شهرين فقط، وعلى خلفية اقتراب الانتخابات الرئاسية، وهو تحرك كاشف لأكثر من معنى:
الأول أن المجتمع -بقواه الحية- لديه رغبة حقيقية في تغيير واقع السياسة المزري والمستمر منذ أكثر من ٧ سنوات، وهو مستعد رغم كل القيود المفروضة عليه لأن يتحرك خطوات مهمة للأمام، وباتت الرغبة في التغيير ملحة أكثر من أي وقت مضى، وتشكلت من واقع الحصار للمجال العام أفكار وقوى تحاول الخلاص من القيود السياسية والتعبير عن نفسها وطرح أفكارها للناس، آملة في أن يحدث جديد في الواقع المصري، وفي بحر السياسة المتجمد.
الثاني أن السلطة الحالية عليها تفهم الرسائل التي تصلهم عبر هذه التحركات، والاقتناع بأن التعامل مع التطورات القادمة بنفس منطق السبع سنوات العجاف أمر محكوم عليه بالفشل، وأن حصار الحياة السياسية طوال هذه السنوات كان خطأ تحول إلى خطر.
مصر بحاجة إلى التغيير، وإلى الخروج من بيت الطاعة الذي وضعت السلطة “السياسة” فيه منذ سنوات، والاتجاه بسرعة إلى طريق ينزع الاحتقان القائم، ويفتح أبواب الأمل أمام الناس، والبداية من ضمانات نزاهة الانتخابات الرئاسية، وخروجها في شكل انتخابات تعددية وحرة، يختار فيها الشعب من يحكمه بحرية، ويسعى فيها الجميع إلى ترسيخ الدولة المدنية الديمقراطية، دولة القانون والحرية والمساواة والمواطنة، ثم الإيمان بأنه لا يمكن تحقيق أي تقدم في الملف الاقتصادي بمعزل عن السياسة، بل أن غياب السياسة والشفافية والمساءلة هي واحدة من أسباب أزمة الاقتصاد الصعبة، ولعلنا نكون قد خطونا للأمام الآن، وأن يتسع “الحراك” السياسي أكثر ليجدد الدماء في شرايين المجتمع، ويطرد كل صور الحصار والقيود والاستبداد.