أجرى موقع «الحرية» حوارًا مع الدكتورة كريمة الحفناوي، إحدى رموز الحراك السياسي، لتقييم تأثير ثورة 25 يناير بعد مرور 14 عامًا على اندلاعها، واستعراض التحديات والدروس المُستفادة، ورؤيتها لإمكانية إحياء أهداف الثورة في الواقع الراهن.
ولفتت الحفناوي إلى أن الثورة المصرية عام 2011 حاملةً أحلام الملايين في “عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية”، لكن هذه المطالب ما زالت معلقةً بين واقعٍ اقتصادي مُنهار، وقبضةٍ أمنيةٍ مشدودةٍ على الحريات، وتفاوتٍ طبقياً يُهدد النسيج الاجتماعي.
أشارت إلى أبرز العقبات التي حاصرت الثورة منذ أيامها الأولى، بدءًا من غياب قيادة موحدة قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية، مرورًا باستغلال القوى المضادة – مثل الدولة العميقة وجماعة الإخوان المسلمين – للفراغ السياسي، ووصولًا إلى تحميل الإعلام الرسمي للثورة تبعات الأزمات الحالية، بدلًا من نقد سياسات النظام.
استخلصت من التجربة دروسًا قاسية، أبرزها ضرورة وجود قيادة وطنية مدنية تُخطط لمرحلة ما بعد الثورة، وتوحيد الصفوف خلف رؤية استراتيجية، مؤكدةً أن غياب هذه العناصر أضاع فرصة التحوّل الديمقراطي، وساهم في انتكاسة الأحلام الثورية.
انتقدت بشدة تعامل الإعلام المصري مع ذكرى الثورة، واصفةً إياه بـ”الصوت الواحد” الذي يُزيّف الحقائق ويُحمّلها للشعب، بينما يلجأ المواطنون إلى منصات بديلة لفك شيفرة الواقع، ما يُعمّق أزمة الثقة بين المجتمع وسلطته.
أكدت أن غياب قيادة سياسية واضحة أثناء الثورة سمح لجماعة الإخوان بالانفراد بالمشهد، مما أفقد الثورة وَحْدتها الوطنية، لكنها أشارت إلى أن “الحركة المدنية الديمقراطية” الحالية تُشكل نواةً لإحياء المشروع الثوري عبر حلولٍ عمليةٍ للأزمات السياسية والاقتصادية.
دعت في ختام حوارها إلى تعزيز التضامن بين القوى الوطنية المؤمنة بالتغيير السلمي، معتبرةً أن تفاقم الأزمات المعيشية وانهيار الطبقة الوسطى يُعيدان إحياء شرارة الثورة في الوجدان الشعبي، رغم محاولات النظام طمس إرثها.
رأت الحفناوي أن الطريق نحو تحقيق أهداف يناير ما زال ممكنًا، شرط أن يدرك المصريون أن “الثورة لم تكن سبب الأزمات، بل فشل النظام في تحقيق العدالة”، معتبرةً أن انتفاضة سلمية جديدة قد تكون البوابة الوحيدة لتغييرٍ حقيقي.
كيف ترىن تأثير ثورة 25 يناير بعد مرور 14 عامًا؟
ثورة يناير، التي خرج فيها ملايين الشعب المصري يهتفون “عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية”، لم تحقق أهدافها حتى الآن، بل ازدادت المصاعب وازداد معها كبت الحريات.
إذا تحدثنا عن العيش، نجد أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار جعلتا حياة الناس أكثر صعوبة. أما الحرية، فشهدنا تزايدًا في كبت الحريات وسجن الناس لمجرد التعبير عن رأيهم، إلى جانب منع الوقفات والتظاهرات وإقرار قوانين تقيد الحريات بشكل صارم.
بالنسبة للعدالة الاجتماعية، ازداد التفاوت الطبقي بشكل واضح، حيث أصبحت القلة تتحكم في رأس المال والسلطة، بينما ملايين الناس يعيشون تحت خط الفقر، وفئات أخرى تعيش في فقر مدقع.
أما الكرامة الإنسانية، فهي تتحقق بتحقيق بأن يعيش الإنسان حرًا، ويستطيع التعبير عن رأيه، ويحصل على فرصة عمل، الحق في السكن، التعليم، الصحة، وضمان حد أدنى للأجور يلبي احتياجاته. لكن مع غياب كل هذا، كيف يمكن الحديث عن كرامة إنسانية؟
ثورة يناير كانت وما زالت حلمًا يسعى لتحقيق حياة كريمة وعادلة، ولكن الواقع الحالي يظهر أن الطريق لتحقيق أهدافها لم يبدأ بعد.
ما هي أبرز العقبات التي واجهتها الثورة وأثرت على تحقيق مطالبها؟
بالتأكيد كانت هناك عقبات كبيرة واجهت ثورة يناير، حيث إن الثوار لم يصلوا إلى الحكم، مما ترك المجال مفتوحًا أمام تحديات معقدة. من أبرز العقبات أن الشعب المصري، حينما قام بهذه الثورة، لم يكن هناك قيادة واضحة تضع خطة استراتيجية لما بعد إسقاط النظام.
المطالب كانت واضحة: إسقاط النظام وتحقيق العدالة، لكن لم تكن هناك رؤية متكاملة تُمكن قوى الثورة من الوصول إلى السلطة لتحقيق هذه الأهداف، هذا الفراغ سمح للدولة العميقة وقتها، ومن بعدها جماعة الإخوان المسلمين، بالاستيلاء على مكتسبات الثورة بشكل تدريجي.
وبدلاً من أن تعمل الثورة على تحقيق أهدافها، بدأت القوى المضادة تعمل على تقويضها، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن..فالإعلام التابع للنظام الحالي لا يعترف بثورة يناير، بل يحملها كل ما يمر به الشعب المصري الآن من أزمات طاحنة، مثل الأزمة الاقتصادية، تراكم الديون، وتدهور أحوال المعيشة.
بدلاً من أن يُقر النظام بأن السياسات الحالية هي السبب وراء هذا التدهور، يتم توجيه اللوم إلى الثورة، في محاولة لتشويه صورتها أمام الشعب، العقبات الأساسية إذًا تتلخص في غياب القيادة والخطة الواضحة لدى قوى الثورة، بالإضافة إلى قوة الثورة المضادة التي تمثلت في الدولة العميقة وجماعة الإخوان المسلمين، التي حاولت الاستفراد بالحكم واستبعاد باقي القوى الثورية.
هذا أدى في النهاية إلى حدوث ثورة 30 يونيو، التي وضعت حدًا لهذه المرحلة، لكنها لم تُحقق تطلعات ثورة يناير الأساسية.
ما الدروس المستفادة من ثورة 25 يناير التي يجب أن تتعلمها الأجيال الجديدة؟
أكّيد هناك العديد من الدروس المستفادة. الدرس الأول هو أنه يجب أن يكون هناك قيادة وطنية تؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية، تعمل على تعبئة الجماهير وقوة الشعب من أجل انتزاع حقنا في تحقيق أهدافنا.
من الدروس المستفادة، كما قلنا، نزلنا الميدان وأسقطنا النظام، لكن لم تكن هناك قوة قادرة على الوصول إلى الحكم.
يمكننا القول بوضوح أننا بحاجة إلى نقد ذاتي: في البداية، قلنا عن ضرورة وجود مجلس رئاسي. لكن قوة الثورة لم تستطع تحقيق ذلك.
كان يجب أن نتوحد على رئيس واحد في أول انتخابات بعد الثورة، رغم أن هناك العديد من الأسماء المتاحة. كان من الأفضل أن يكون لدينا مرشح واحد من قوة الثورة، وهذا من الدروس المستفادة أيضًا من الدروس الأخرى أن الثورة كان يجب أن يكون لها قيادة ذات خطة استراتيجية لما بعد إسقاط النظام، تعمل على استكمال وتحقيق مطالب الثورة.
هل تعتقدين أن ثورة 25 يناير لا تزال حاضرة في وجدان الشعب المصري أم أنها أصبحت مجرد ذكرى؟
نعم، رغم أن الشعب المصري قد عانى كثيرًا بعد الثورة، إلا أن هذه المعاناة، وذلك القهر، والظلم الواقع عليه، إلى جانب الأزمات الاقتصادية الطاحنة، والأجور غير العادلة، وارتفاع الأسعار مع غلاء المعيشة وتدهور الخدمات وكبت الحريات، بحيث لا يستطيع الفرد التعبير عن رأيه، كل ذلك لم يُطفئ إيمانه بقدرته على التغيير.
فهو يعلم تمامًا أن تحرك الملايين يمكن أن يُحدث تغييرًا حقيقيًا، ويثق في أن التحرك السلمي أقوى بكثير من أي عنف، لهذا أرى أن ثورة يناير لا تزال حاضرة، حتى وإن ظن البعض خطأً أن الثورة هي السبب فيما نعيشه اليوم من أزمات، وليس السياسات التي ينتهجها النظام.
وللشعب الذي صنع هذه الثورة السلمية العظيمة، أقول: إن التغيير لن يأتي إلا بمزيد من الثورات والانتفاضات السلمية. وأؤكد أن الثورة ليست السبب في ما نحن فيه، وإنما غياب وصول الثوار الحقيقيين إلى الحكم هو ما أضاع أهدافها.
كيف ترىن تعامل الإعلام والسياسة مع ذكرى الثورة الآن؟ وهل تُقدَّم الصورة الحقيقية لما حدث؟
للأسف الشديد، كما عمل النظام على تكميم الأفواه، فقد أقدم أيضًا على تكميم وتأميم الإعلام. البعض قد يسميه تقييدًا، لكن الحقيقة أنه تكميم وتأميم كامل في ظل وجود إعلام الصوت الواحد، من المستحيل أن ينجح النظام، خاصة في ظل هذه الثورة التكنولوجية الكبرى التي تشهدها البشرية، هذه الثورة تمنحك القدرة على رؤية الحدث فور وقوعه، التنقل بين القنوات بسهولة، متابعة السوشيال ميديا، الاستماع إلى المنصات المختلفة، والاطلاع على مواقع إلكترونية تطرح وجهات نظر مغايرة بعيدًا عن الصحف الرسمية، فهل يغيب عن أذهان من يتحدثون بصوت واحد لتجميل سياسات النظام وتزييف الحقائق أن الشعب لم يعد يصدق هذه الأكاذيب؟
من السهل جدًا أن ينتقل المشاهد بالريموت إلى قناة أخرى ليحصل على رواية أكثر واقعية.
هذا يمثل خطرًا حقيقيًا؛ لأن الإعلام المصري، حينما لا يعبر عن الشعب ولا يعكس الحقائق كما هي، يدفع الناس إلى اللجوء لقنوات أخرى قد تضر بمصلحة الوطن، فالإعلام المصري الحالي لا يقدم صورة حقيقية عن الواقع، وإذا حاول تقديمها، فإنه يأتي متأخرًا، وبعد ساعات من وقوع الحدث، وغالبًا ما تكون الحقائق التي يعرضها محرفة أو مزيفة أو مصاغة لتجميل الصورة. هذا السلوك الإعلامي، الذي يعتمد على لَيّ عنق الحقيقة، يُحدث ضررًا كبيرًا بالمجتمع المصري، ويؤدي إلى انعدام الثقة بين الشعب وإعلامه.
هل ترين أن الثورة كانت تحتاج إلى قيادة سياسية واضحة لتوجيهها بشكل أفضل؟
نعم، كانت هناك قيادة جماهيرية وسياسية بالفعل، تمثلت في تعاون كل القوى الوطنية معًا على اختلاف أيديولوجياتها. هذه القوى عملت جنبًا إلى جنب قبل الثورة، بدءًا من حركة كفاية، ثم الجمعية الوطنية للتغيير.
كانت أهداف الثورة وأحداثها تجمع بين الليبراليين، الناصريين، اليساريين، والإخوان المسلمين، في مشهد وحد الشعب بكل أطيافه لكن للأسف، الإخوان المسلمين استغلوا الثورة وجعلوها تكئة وسُلَّمًا للوصول إلى الحكم بشكل منفرد.
هذا الانفراد بالسلطة أدى إلى تراجع فكرة الوحدة الوطنية التي كانت موجودة، وأضعف إمكانية تحقيق أهداف الثورة الكبرى، التي كانت تطمح إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية للجميع دون استثناء
هل ترين أن تحقيق مصالحة سياسية بين الأطراف المختلفة يمكن أن يُعيد الأمل في تحقيق أهداف الثورة؟
لابد من وجود قوة وطنية تؤمن بالتغيير السلمي وتعمل معًا بجدية لتحقيق هذا الهدف. والحقيقة أن هناك بالفعل بداية لهذه الخطوة تتمثل في الحركة المدنية الديمقراطية.
هذه الحركة تعبر عن الإيمان بالدولة المدنية الحديثة التي تقوم على أسس الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ولا تكتفي برفع الشعارات فقط، بل وضعت حلولًا متكاملة لكل أزمات المجتمع، سواء كانت اجتماعية، سياسية، أو اقتصادية.
من خلال رؤى واضحة واستراتيجيات مدروسة، تسعى هذه الحركة إلى بناء دولة تحقق العدالة الاجتماعية، الحرية، والكرامة الإنسانية، بما يلبي تطلعات الشعب المصري ويعيد للثورة أهدافها الحقيقية.
في رأيك، كيف يمكن إحياء قيم الثورة وأهدافها في الظروف الحالية؟
أنا أعتقد أنه إذا نزلنا إلى الشارع أو تواجدنا في أي مكان، سنجد ملايين من الشعب المصري يتمنون أن تتحقق أهداف ثورة يناير.
الثورة ما زالت حية حتى اليوم، لأن الأزمة التي نعيشها تفاقمت بشكل كبير، وأصبحت الحياة اليومية شديدة الصعوبة على ملايين المصريين.
السياسات الحالية أدت إلى انهيار الطبقة الوسطى وتدهور أوضاعها، مما زاد من الحاجة إلى إحياء قيم الثورة..في ظل هذه الظروف، بدأ الناس يتساءلون: ماذا بعد؟ الأزمة الحالية مع تفاقم الديون، التضخم، الغلاء، وتدهور الخدمات تجعل الحلول المطروحة تأتي دائمًا على حساب المواطن العادي.
جيب المواطن أصبح فارغًا، ورغم ذلك، نجد تفكيرًا مستمرًا في فرض المزيد من الضرائب والرسوم. الضرائب المباشرة وغير المباشرة باتت عبئًا لا يُحتمل، وكل وثيقة أو خدمة كانت تُقدم سابقًا بأسعار معقولة أصبحت اليوم بأضعاف مضاعفة من التكاليف، مما زاد الضغط على الشعب وأدى إلى شعور بالاحتقان والغضب المتزايد