يمر الاقتصاد هذه الآونة بأزمات صارخة، لم تمر على الدولة من قبل، بجانب الحديث عن تعثر لم يطرأ على مصر من قبل، وسط تخوفات من الوضع الراهن وماذا سيحدث خلال الفترة المقبلة؟
الحرية حاورت الخبير الاقتصادي دكتور هاني توفيق الذي كشف عن روشتات للأزمة الاقتصادية وسط تجاهل من القيادات السياسية في تطبيقها.
شروط وصول الدولار لـ25 دولار:
حول الشروط والأجواء التي من المتوقع خلالها أن يتراجع سعر الدولار ويصل لسعره العادل، يقول:” ضرورة عمل خطة، مكونة من 4 خطوات لإزالة الظروف غير الطبيعية المتواجدة حاليًا وعودة الدولار لقيمته العادلة، والأربع خطوات هم أولًا: ظهور رئيس الجمهورية في مؤتمر عام به أجهزة الدولة وصناديقها، ويعلن بوضوح تام الجملة التي تحدث بها مصطفى باشا النحاس سابقًا حينما قال: “لقد وقعت اتفاقية 2023 من أجل مصر والآن ألغيها من أجل مصر”، “على الرئيس التصريح بأن الدولة دخلت في النشاط الاقتصادي من أجل مصر، والآن تنسحب أيضًا من أجل مصر ويحدد التاريخ على 31 ديسمبر 2023 أو 2024، تاريخ محدد به ننسحب من كافة الأنشطة الاقتصادية لإعطاء رؤية للحكومة حتى تعود مرة أخرى مراقبًا ومروجًا للاستثمار وليس منافسًا للقطاع الخاص، معتبرًا أن هذا سيسمح بتدفق مزيدًا من الاستثمارات الأجنبية والمصرية أيضًا ومضيفًا” حتى لا نصحو يومًا على كارثة كأن يسحب نجيب ساويرس والسويدي استثماراتهم والاتجاه بها إلى السعودية والبلاد الأخرى، لكي لا ينافسا الدولة.
متابعًا، الخطوة الثانية: دائمًا ما نتساءل ماذا نفعل في الدين المستحق العادل؟ وقدم مثالًا “دلوقتي حضرتك عندك ورشة ومستلف عشان تمشي أمورك وجه أجل سداد الدين بتاعك عشان تمشي أمورك؟”، فيه حاجة معروفة يقدم عليها الأفراد والشركات والدول، وهى إعادة جدولة الدين قصير الأجل العاجل، إلى دين طويل الأجل وتستلف تسدد الدين العاجل على سنة في خلال 25 سنة بضمان الورشة مثلًا، وليس الإقدام على خطوة بيع معدات الورشة لسداد الدين، فعند بيع أصول الشركات فإن ذلك يأخذ من حق الأجيال القادمة لسداد الدين، فمعنى بيع أصول الشركات لسداد الديون ذلك يعني إفلاسًا فكريًا، ولابد من تعويض الدين بدين آخر طويل الأجل.
فهناك مايسترو أمريكي أصدر سندات بضمان ألبوماته الموسيقية خلال الـ10 سنوات المقبلة، فحصل على أموال وأصبح دين لأصحاب هذه السندات بفوائد تدفع سنويًا وفي نهاية الفترة يحصل على أمواله.
وأيضا، اقتراحي أننا دولة نحصل على إيرادات دولاريه من تصدير الغاز، تحويلات المصريين من الخارج، السياحة، عوائد قناة السويس، الدهب، ننشئ “صندوقًا سياديًا دولاريًا” وبضمان هذا الصندوق نُصدر سندات تروج في البورصات العالمية لمدة 50 سنةً، وتحصل على 10% فائدة، وتجمع نحو 70 مليار دولار تدفع عليها كل سنة 7 مليارات دولار لأصحابها وبعد 50 سنة تقوم برد الأصل الـ70 مليار في نهاية السنة، وبالتالي نتمكن من سداد الدين الخارجي وأصبح لدينا متنفسًا جديدًا، فإيراداتنا السنوية من 40:30 مليار دولار حينما نقتطع منهم الـ7 مليارات دولار يكون ذلك شيئًا هينًا وسهلًا.
مشيرًا للخطوة الثالثة، بيع الأصول المملوكة للدولة يمثل انسحابنا مما فعلناه بعد ٣٠ يونيو٢٠١٣، بالإضافة إلى بيع القديم، وهذا أحد خلافاتي مع شقيقي وزير قطاع الأعمال السابق، فدائما أقول أننا نخرج من القطاع الاقتصادي ولا ندخل منه كقطاع أعمال، فقطاع الأعمال لا بد من تصفيته تدريجيًا وانسحاب الدولة مما حدث مؤخرًا بالإضافة إلى بيع القديم
ويقول إن الخطوة الرابعة على رأس الأمور، فهناك ثمان عقبات تواجه الاستثمار، انسحاب الدولة من المنافسة، البيروقراطية، الفساد، كل ما سمحت بمقابلة مالك الخدمة مع طالبها هذا يعد فسادًا، فعلي سبيل المثال كان متواجد معي أمس شخص مالك لمركب نيلية لديه 21 جهة ولاية على المركب الخاصة به، منها “تموين، سياحة، صحة، مسطحات مائية”، توفير السياسات المالية، فمنظومة الضرائب في مصر منظومة مانعة، هناك دول تعفي المالك من الضرائب وتمنحه الأرض مجانًا، فتقدمها له مقابل الإنتاج، إزالة بطء النظام القضائي..
مؤكدا، في حالة تنفيذ الخطوات الأربع معًا، انسحاب الدولة، مد آجال الديون، إزالة آثار العدوان البيروقراطي، سياسة مالية حكيمة، خطة الإنقاذ الوطني للاقتصاد، ويقضي ذلك على وجود سعرين للدولار، وسوف نجد تحويلات المصريين عادت مرة أخرى، التدفقات الأجنبيىة والاستثمارات الخارجية، وسنجد مصر مجالًا وأرضًا خصبة للاستثمار، فمصر بها 110 ملايين شخصًا بحاجة لدراسة وصحة جيدة، مما يعني أننا نحتاج مزيدًا من الاستثمارات الضخمة.
البيع والتخارج ما هو إلا رسالة بعدم المنافسة، وتأكيد على أن الدولة تنظم وتراقب، متسائلًا: لماذا تقوم الدولة ببيع فندق ماريوت أو كتاركت؟ للحصول على مليار أو اثنين مما لا يسمن ولا يغني من جوع؟ لماذا أنافس في الغزل النسيج؟ لماذا أملك شركة طيران؟ علينا ترك ذلك للقطاع الخاص، ويؤكد، أنه ليس علينا الاكتفاء فقط بالـ32 شركة التي تم عرضهم بالبورصة والمقدر لهم 4:2 مليارات دولار في حين أن حجم الدين يبلغ 100 مليار دولار.
ويوضح معنى السعر العادل للدولار أمام الجنيه قائلا: “هناك ما يسمى القيمة الشرائية المكافئة، فحينما تقوم بسلة شرائية لمحتويات منزلية بقيمة 100 جنيه في مصر، وتقوم بنفس شراء السلة في أمريكا بـ 10 دولارات في أمريكا هنا تصبح قيمة الدولار بـ10 جنيهات مصرية، وهذا هو السعر النظري، بينما السعر الحقيقي يتحدد بناءً على قوة العرض والطلب، فنحن لم نمتلك نفس القوة الشرائية بل أصبحنا مدينين”.
انخفاض تحويلات المصريون في الخارج 10 مليار دولار:
ويكشف توفيق، أن تحويلات المصريين في الخارج انخفضت بنحو 10 مليارات دولار السنة الحالية، مضيفا، قيمة الجنيه أصبحت في مهب الريح، بعد أن أصبحت الديون مقدرة بـ 180 مليار دولار، والتي نشأت نتيجة لعدم مراعاة فقه الأولويات في الإنفاق، سنة أولى اقتصاد أو بنوك في حالة “استلاف” أموال لابد أن يحدد مواعيد سداد الدين، وهذا تم غيابه بالكامل في خطة التطور العمراني.
وفي الوقت الذي أشاد فيه توفيق بحملة القضاء على فيروس سي، ومشروعات التضامن الاجتماعي وخاصة تكافل وكرامة، والبنية التحتية التي تم إنشاؤها، عاد ورفض عددًا من المشروعات مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وإنشاء أكبر جامع وأكبر كاتدرائية فهذه المشروعات ليس وقتها، على حد قوله.
وأضاف: بسبب غياب فقه الأولويات أدى ذلك إلى الخراب، وتأخر سداد الديون لعدم وجود السيولة الدولارية، مؤكدا أن القضاء على وجود سعرين للدولار سيساعد على استقطاب أكبر عدد من الاستثمارات الأجنبية، ويقض على قيمة الجنيه مشوهة.
صافي الاحتياطي المصري 5.5 مليار دولار فقط
وواصل: مساندة الدول العربية لم تعد كما كانت سابقاً، هناك 34 مليار دولار 28.5% منهم ودائع عربية، فالاحتياطي النقدي ٨٠.٧٥ ٪ منهم ودائع عربية، مما يعني أن صافي الاحتياطي المصري فقط يصل إلى 5.5 مليار دولار.
وعن تخطي الدين الخارجي للحدود الطبيعية قال توفيق كل إيرادات الدولة الآن تذهب وفوقها 14% إلى سداد الدين الأصل والفوائد، فبالتالي لا تحدثني عن صحة أو استثمار أو تعليم ولا أجور أو دعم، وحينما قمنا بسؤال وزير المالية عن ذلك، رد قائلًا: هاستلف، فلم يقل سأقوم بزيادة الإنتاج أو التصدير أو الاستثمار.
فالدين العام يُشكل 116% من إيرادات الدولة،
الاقتصاد يبدأ بالتشغيل وينتهي بالتشغيل، فهدف أي حكومة سياسية في العالم كله، عدم ترك أي شخص عاطل بدون عمل في المنزل، فالبطالة قنبلة موقوتة سياسيًا، مطالبًا بمنح مزيدًا من الحوافز للاستثمار والتشغيل والتصدير وسداد المديونية للتأكيد، فالدين العام يُشكل 116% من إيرادات الدولة.
وعن مقارنة مصر بغيرها فيما يتعلق بالديون قال: مصر ثان أكبر مدين في العالم بالنسبة للناتج الإجمالي المحلي بعد الأرجنتين وعن مخاطر الديون قال توفيق: الصين وضعت يدها على موانئ ومطارات إفريقيا بسبب التوقف عن سداد المديونية، يعني تستلف وتيجي تقول أفلست، كل أوراق الديون ممضية من محافظ البنك المركزي ووزير المالية.
لبنان أعلنت عدم قدرتها على الاستمرار وساعدها الاتحاد الأوروبي، الأرجنيتن مازالت تعاني، فليس حل مفضل إعلان الإفلاس، وسيقابل مقابلة سيئة على كافة موارد الدولة.
وعن تعويم 2016 بدون حصيلة دولارية حتى الآن وانهيار الجنيه، يؤكد الخبير الاقتصادي أن هناك فشلًا في المنظومة ككل، بسبب سحب الأموال السخنة في تمويل المشروعات طويلة الأجل.
ويضيف توفيق:”هناك قصور في إدارة المنظومة الاقتصادية للدولة، السياسة النقدية المتمثلة في سعر العملة وقيمتها أو سعر الفائدة أو معدل عرض النقود في المجتمع هذا يعني سياسة نقدية، وهي أحد ثلاثة أذرع للإصلاح الاقتصادي، الإصلاح المالي الخاص بالضرائب والرسوم لابد أن يصلح بالتوازي، الإصلاح الهيكلي حتى تصبح منظومة متكاملة، ففي حالة التعويم لا بد من منظومة كاملة من الإصلاحات”.
هل ترفض الحكومة خبراء الاقتصاد؟
“ليس الحكومة.. من يدير المنظومة الاقتصادية ولكن القيادة السياسية، وزير المالية لا يملك في الحكومة أن يرفض طلبًا للقيادة السياسية” هكذا يقول توفيق عن الاستعانة بالخبراء. .
وحول رفض الاستعانة بشكل صريح بخبراء الاقتصاد، يقول: حتى هذه اللحظة نعم، محمود محيي الدين استمر فترة، وحينما عرض عليه منصب حكومي وافق وطلب الحصول على مساحة خاصة له للحصول على قرارات.
وفقًا لمقولات المسؤولين.. العاصمة الإدارية لا تكلف الدولة شيئًا وتم بيع المتر للمستثمر بـ 4 آلاف جنيه، على عكس أيام مبارك، سعر المتر 50 قرشًا، ومئات المستثمرين أقدموا على الشراء، مما ساهم في إدخال المليارات للخزينة العامة للدولة، حول هذا الحديث، يقول:” العاصمة الإدارية هناك مبدأ في الماليات العامة يُدرس اسمه مبدأ وحدة الموازنة بمعنى أن كافة إيرادات ومصروفات الدولة تدخل في بوتقة واحدة، الحكومة والبرلمان يراها ويحددان الأولويات بناءها، فأنت قدمت شيئًا جيدًا إنما لم يكن في الوقت المناسب، فاستنزف مبيعات الأراضي في الإنشاءات، ولم يحسن استخدامها في إقامة المصانع والشركات، فنحن نحتاج للتشغيل المستدام، فغياب مبدأ وحدة الموازنة واضح، وأصبح أكثر من نصف موازنة الدولة خارج تحكم وزيري التخطيط والمالية والبرلمان ولجنة الخطة والموازنة خلقت خللا ندفع ثمنه اليوم.
ويؤكد توفيق أن العاصمة الإدارية خارج الموازنة العامة للدولة، مشيرًا أن الموازنة العامة للدولة لا تُشكل أكثر من 48% من إيرادات الوطن، والـ52% الأخرى صناديق خاصة لم يراها أحد وتابعة لأجهزة الدولة مثل جهاز الخدمة الوطنية.
وحول خطورة ودائع المصريين الدولارية، يؤكد أنها حتى الآن آمنة، فلا يمكنني القول أنها في خطر أو لا.
وعن سياسات التعويم يقول توفيق ” يحل الإنتاج المحلي محل الاستيراد قبل ما تفكر في التصدير، التجويد في الإنتاج المحلي وخلق مجالات للتصدير، وبالتالي فخفض قيمة الجنيه لا تكون ملموسة بالنسبة للأشخاص، فإذا أردت أن تغزو الأسواق الخارجية لابد أن يكون هناك جودة في الإنتاج المحلي، دراسة أذواق الخارجين، وذلك يأخذ وقتنا طويلا، فخفض قيمة العملة لا ينعكس بالضرورة على زيادة الصادرات”.
مؤكدًا، لا يوجد تعويم قادم للجنيه إلا في ضوء إصلاح كامل، ودا إصرار صندوق النقد الدولي.
ويكشف “توفيق” عن المتسبب الحقيقي في أزمة الكهرباء، ويقول: لدينا فائض فيما يتعلق بقدرة محطات الكهرباء على توليد الكهرباء أكثر من 50% من احتياجات الدولة، فيما يتعلق بالقدرة لدينا الفائض، نحتاج لتشغيل المحطات إما بالمازوت وأسعاره مرتفعة جدًا أو الغاز ونحن نرتبط بعقود تصدير غاز، بالإضافة إلى ما سمعناه عن وجود مشاكل في حقل ظُهر وهو يمد مصر باحتياجات الغاز، فما بين المازوت وارتفاع أسعاره، وما بين الغاز وارتباطات عقود التصدير لجلب العملة الأجنبية بالإضافة إلى خلل وجوده لوجود مشكلة في حقل ظُهر وأدى الاثنان إلى عدم وجود مشغلات للمحطات.
ويكشف توفيق: لا نصدر كهرباء حتى الآن، فتوليد الكهرباء يحتاج لغاز ومازوت والاثنان غير متواجدين.
“في حال الاستمرار على نفس النهج ونفس السياسات القائمة، سيعني ذلك إعلان الإفلاس، وهو ذو عواقب وخيمة، وقبلها سنكون مقبلين على مرحلة نادي باريس وهو المرحلة الأخيرة التي يجبر بكل آسف الدول المتعثرة التي تصل لمرحلتها الأخيرة في الديون” هكذا اختتم توفيق حديثه للحرية محذرًا من الآثار السلبية الكبيرة في حال استمرار نفس النهج الحالي.