كتب: محمد مرزوق
تتصاعد المخاوف في الأوساط السياسية والتعليمية على حد سواء عقب إعلان وزارة التربية والتعليم عن نيتها إدراج “مادة الدين” ضمن المواد المؤثرة في المجموع الكلي لجميع المراحل الدراسية. هذا القرار المفاجئ أثار عاصفة من الجدل والتساؤلات حول أبعاده وتأثيراته على النظام التعليمي، في ظل الأزمات الهيكلية التي تواجه التعليم المصري.
في بيان شديد اللهجة وصف الحزب الليبرالي المصري هذه الخطوة بأنها “تهديد صريح لمبادئ التعليم المدني”، معتبرًا أنها تُحول التعليم من وسيلة للنهضة الوطنية إلى أداة لفرض أجندات مذهبية قد تمزق النسيج المجتمعي.
عودة إلى الوراء أم خطوة للأمام؟
بدأت القصة بإعلان الوزارة عن دراسة مقترح لإضافة مادة الدين إلى المجموع الكلي، ما أثار ردود فعل متباينة. وفي وقت تعاني فيه مصر من تراجع تصنيفها التعليمي عالميًا، يرى المراقبون أن القرار يمثل انحرافًا خطيرًا عن الهدف الأسمى للتعليم: تعزيز الفكر النقدي والإبداع.
مخاوف الحزب الليبرالي المصري: التعليم على مفترق طرق
في بيان مطول، أعرب الحزب الليبرالي المصري عن قلقه العميق إزاء هذا القرار، مشيرًا إلى أنه قد يُدخل التعليم في دائرة جديدة من التمييز والعزلة المذهبية. وأكد البيان:
تحويل التعليم إلى منصة مذهبية: قد يؤدي القرار إلى فرض رؤى دينية معينة على الطلاب، مما يعزز الانقسامات داخل المجتمع المصري متعدد الأديان والمذاهب.
تهديد الحياد التعليمي: التعليم ينبغي أن يكون منصة لتوحيد المصريين، لا أداة لتعزيز الاختلافات العقائدية.
ضرب جودة التعليم: في وقت يعاني فيه التعليم المصري من تدهور البنية التحتية، كيف يمكن تحمل تبعات إضافية لإعداد مناهج دينية متعددة؟
حقائق وأرقام تكشف الواقع التعليمي المرير
وفقًا لتقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو):
تحتل مصر المرتبة 139 عالميًا في جودة التعليم الأساسي، مما يعكس تدهورًا كبيرًا مقارنة بالمعايير الدولة.
عديد من المدارس المصرية تعاني من نقص في الكوادر التعليمية المؤهلة، بينما 33% من المدارس تفتقر إلى المرافق الأساسية مثل المعامل والمكتبات.
أكدت دراسة محلية أن 65% من المعلمين يرون أن إدخال مادة الدين في المجموع الكلي سيؤدي إلى زيادة التعصب الديني بين الطلاب.
تساؤلات تُشعل النقاش العام
طرح الحزب الليبرالي المصري سلسلة من التساؤلات الجوهرية التي تنتظر إجابات من وزارة التربية والتعليم:
كيف ستضمن الوزارة حيادية المناهج الدينية في ظل تعدد الطوائف والمذاهب؟
ما خطة الوزارة لتأهيل المعلمين وتوفير المناهج إذا قررت إدراج مواد دينية منفصلة؟
هل يتماشى القرار مع المادة 19 من الدستور التي تؤكد أن التعليم يهدف إلى تنمية التفكير العلمي والإبداعي؟
ما مصير الطلاب من الأقليات الدينية؟ وهل سيتأثر حقهم في الحصول على تعليم عادل؟
مطالب بإعادة النظر وإطلاق حوار وطني شامل
دعا الحزب الليبرالي المصري إلى وقف تنفيذ القرار فورًا، مطالبًا بعرضه للنقاش العام قبل اتخاذ أي خطوات تطبيقية. كما طالب الوزارة بالكشف عن دراسات الجدوى والتقارير التي استندت إليها في طرح هذا المقترح.
وأشار البيان إلى أهمية استثمار الموارد التعليمية في تحسين جودة التعليم الأساسي، بدلاً من إدخال عناصر قد تثير الجدل وتُضعف التماسك الوطني.
ختام البيان: رسالة إلى الحكومة والشعب
اختتم الحزب بيانه برسالة موجهة إلى الحكومة والشعب المصري، أكد فيها أن التعليم ليس ساحة لتصفية الحسابات المذهبية، بل هو استثمار استراتيجي لبناء أجيال قادرة على قيادة الوطن نحو مستقبل أفضل.
وأكد البيان: “إن تعزيز التعليم العلمي والإبداعي هو السلاح الحقيقي لمواجهة تحديات العصر، وإن أي محاولة لخلط التعليم بالدين لن تؤدي إلا إلى تفاقم أزماتنا الحالية.”
نص البيان
يعرب الحزب الليبرالي المصري عن قلقه العميق وتعجبه من مقترح إدراج “مادة الدين” ضمن المواد المضافة للمجموع الكُلي في جميع المراحل الدراسية. هذا الإجراء غير المسبوق في التاريخ الحديث يأتي في وقت تعاني فيه المنظومة التعليمية من تحديات كبرى تتطلب حلولًا علمية ومنهجية لتحسين جودة التعليم وتطوير قدرات الطلاب.
فمنذ أن أسس محمد علي باشا المدارس الأهلية في بدايات القرن التاسع عشر، كان الهدف الأساسي من التعليم هو بناء دولة مدنية حديثة قادرة على مواكبة التطور الحضاري. لكن اليوم، نجد أنفسنا أمام مقترح يربط التفوق التعليمي بالمعرفة الدينية، مما يطرح تساؤلات عديدة حول الأهداف الحقيقية لهذا القرار وتأثيراته المستقبلية.
تساؤلات مشروعة:
هل نحن بصدد قياس مدى تفوق الطلاب علميًا وإبداعيًا من خلال التزامهم بمذهب معين أو اتباعهم لعقيدة محددة؟
هل سيؤدي هذا القرار إلى بناء جيل مبدع ومتفوق علميًا أم جيل منغلق ومتأثر بالتعصب الديني والمذهبي؟
هل ستراعي المناهج الدراسية التنوع الديني والمذهبي لمجتمعنا، أم ستفرض رؤية دينية أو مذهبية محددة على الجميع؟
هل وظيفة الوزارة هي تعزيز التفكير العلمي والإبداع، أم أنها بصدد أداء دور المؤسسات الدينية؟
نحن في الحزب الليبرالي المصري، وحسب فهمنا لما جاء في المادة 19 من دستور البلاد، بأن التعليم هو حق أساسي لكل فرد، وأن هدفه الأول هو الحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار.
لذا تدور في رؤوسنا المزيد من الأسئلة حول مصير هذه المفاهيم في ظل القرار المزمع تطبيقه:
هل ستقوم الوزارة بإعداد مناهج مستقلة لكل طائفة ومذهب ديني؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل تمتلك الوزارة الإمكانات لتوفير معلمين متخصصين وفصول دراسية كافية؟
كيف يمكن ضمان أن العملية التعليمية ستبقى حيادية وغير متحيزة عند ربط النجاح الأكاديمي بالالتزام الديني؟
هل سيرسخ هذا القرار قيم التسامح والتعايش بين الأديان أم سيؤدي إلى تعزيز الاختلافات والانقسامات؟
إذا كانت لدى الوزارة خطة واضحة ومتكاملة تغطي كافة هذه القضايا وتجيب عن التساؤلات المطروحة، فإننا نطالب بسرعة طرحها للنقاش العام لإشراك المجتمع في اتخاذ القرار.
أما إذا لم تكن هناك خطة واضحة، فإننا ندعو الحكومة المصرية إلى التراجع الفوري عن هذا القرار، حفاظًا على حق الطلاب في تعليم عالي الجودة خالٍ من التمييز أو التحيز.
نؤكد في الحزب الليبرالي المصري أن التعليم هو استثمار في مستقبل الوطن، ولا يجب أن يكون أداة لتحقيق أجندات سياسية أو مذهبية. الحفاظ على منظومة تعليمية متطورة ومحايدة هو السبيل الوحيد لبناء أجيال قادرة على قيادة مصر نحو مستقبل أفضل.
لجنة التطوير العلمي
الحزب الليبرالي المصري
١٨ يناير ٢٠٢٥