في البداية أهنئ فريق موقع “الحرية” على الانطلاقة، وأدعو الله عز وجل لهم بدوام التوفيق والنجاح، ومن وحي اسم الموقع، أبدأ أول مقالاتي، في السياق الأسري والاجتماعي، مواصلا طريقي في تجديد الخطاب الأسري وزيادة الوعي الاجتماعي في العلاقات والمعاملات.
ومن المفاهيم المهمة التي ينبغي أن تستوعبها كل أسرة، أنه “لا صراع بين الحرية والتربية”، بل هما شريكان مهمان للتنمية في مرحلتي الطفولة والمراهقة وتعزيز التقدم في مرحلة الشباب، ولذلك يرى كثيرون أن التنشئة منذ الصغر على قيمة الحرية أفضل للأسر والمجتمعات والأوطان.
ومن هذا الفهم ، يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته الأشهر: ” من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها ، وذهب بنشاطها ، ودعاه إلى الكسل ، وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه ، وعلمه المكر والخديعة ، وصارت له هذه عادةً وخلقاً ، وفسدت معاني الإنسانية التي له وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله ، وصار عيالاً على غيره فى ذلك ، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد فى أسفل السافلين “.
ويتبني كثيرون من أهل العلم، مفهوم الحرية المسئولة، في سن الطفولة، للوصول إلى طريق آمن يجمع بين القيم والحرية ، بحيث لا يترك الحبل على الغارب، ولا تمضي الأمر بالعسف والإكراه ، عبر الموازنة بين المنح الإيجابي للمساحات والثقة المعززة بالعلم والمنع الإيجابي المنضبط غير المعجون بممارسات السلبية العدوانية.
إن الحرية المسئولة تعزز ثقة الأطفال بأنفسهم ، وفق دراسات حديثة، أكدت أهمية أن يعطي الآباء والأمهات الفرصة لأبناءهم لفعل أشياء كثيرة ومختلفة بأنفسهم دون أن يطلبوا المساعدة من أي شخص، لاكتشاف أشياء كثيرة عن أنفسهم وعن قدراتهم، مما يعطيهم ثقة كبيرة بذاتهم، وأن يحتفلوا كذلك معهم بالإنجازات الصغيرة المبنية على مساحات الحرية المسؤولة ، مع إعطائهم مساحات شخصية لاتخاذ بعض القرارات، كاختيار ملابسه على سبيل المثال.
ووفق الاستشاري النفسي د. هاني رمزي عوض فقد أشارت أحدث الدراسات إلى أن الأسر التي تترك مساحات أكبر من الحرية للأبناء، مع توفير الاهتمام والحنان، في الغالب هي الأسر التي يتمتع أبناؤها بالسعادة.
وبحسب مقال له، في موقع الشرق الأوسط، فإن علماء من جامعة «يونيفرسيتي كوليدج لندن” توصلوا أن الأسر الأقل سيطرة، هي الأسر هي التي يتمتع أطفالها بالصحة النفسية، مع القبول بالتوجيه الايجابي في حالة ارتكاب خطأ.
ومع عصر الذكاء الاصطناعي المثير، نجد مخاوف عدة في بيوت عدة ، من تأثير الحرية المطلقة في تطبيقات الكترونية كمثل تطبيق “التيك توك” على الأطفال، وهو ما يجب التوقف عنده والتعامل معه وفق توصيات علمية بعد نقاشات عاجلة ورصينة، لحماية الحرية وتعزيز القيم التربوية.
تقول الباحثة المتخصصة في مجال التربية وتطوير التعليم ريم كريمة ، في مقال لها بعنوان” التربية الإيجابية لا تعني الحرية المطلقة”: ” التربية الإيجابية تعني إعطاء الطفل حرية واسعة للاكتشاف والتعلم بعيداً عن تدخل الكبار وأسلوب التلقين والتوجيه المباشر، إلا أن ذلك من المستحيل دون توفير معايير السلامة أولاً، ورسم حدود واضحة للأطفال، كي يتمكنوا من الاستمتاع بحريتهم دون التعدي على الآخرين أو راحتهم أو ملكياتهم”.
وصدق من قال : ” لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”.