تواصل الحرية نشر شهادة الصاغ زغلول عبد الرحمن أحد الضباط الأحرار الذين شاركوا في ثورة ٢٣ يوليو، والتي جاءت يكتبها للحرية صديقه عمر الشال وهذه هي الحلقة الأخيرة من الشهادة وتتحدث عما حدث ليلة الثورة وساعة الصفر.
يقول زغلول عبد الرحمن عن ليلة الثورة ” إستمر إنشغالي وتفكيري في كلمة نصف الليل ميعاد للتحرك الذي حدده عبدالناصر لتحرك كتيبتنا، و حتي بعد إبلاغي بهذا الميعاد لقائد الكتيبة إستمر إنشغالي وتفكيري لأن الميعاد المعلوم مسبقا هو الساعة الواحدة وأكيد إنشغل بهذا الأمر قائد الكتيبة و نائبه….توصلت إلي قناعة أن عبد الناصرعندما حدد لنا ميعاد التحرك أكيد كان يضع في حساباته تقدير المسافة والوقت وإحتمال تعطلنا من نقاط تفتيش البوليس الحربي ….. كانت هذه الليلة ليست كمثيلاتها من ليالي صيف القاهرة، بدا الليل لي فيها كأنه نهار رغم ظلامه كانت كل الأشياء واضحة أمامي ….و بداء سير القوات قبل الميعاد كأننا في سباق مع الزمن في خط سير إتفقنا عليه و كان يتقدمنا إستطلاع الكتيبة في عربة وكل عربة من سيارت الكتيبة تسير بأنوار خافتة أو مطفئة وكان معظم الضباط مسلحين بمدافع رشاشة والجنود ببنادق آلية و قائد الكتيبة في مقدمة الكتيبة في عرية القيادة….وبعد خروجنا من أرض الكتيبة بعدة كيلومترات ، أرسل إلينا إستطلاع الكتيبة أشارة أن سيارة قادمة عليهم كانت أنوارها عالية وواضحة لنا أيضا وصدر الأمر بإيقافها وكانت أولي المفاجئات في هذه الليلة كان بداخل السيارة اللواء ” عبد الرحمن مكي ” قائد الفرقة وتم القبض عليه وبعدها بدقائق حدث نفس الأمر مع الأميرالاي” عبدالرؤوف عابدين “قائد ثاني الفرقة وتم القبض عليه أيضا و بعدها قويت عزيمتنا وزادت من شجاعة الجنود والضباط…..ثم واصلت الكتيبة سيرها إلي أن وصلنا إلي مصرالجديده ثم أصبحنا في شوارعها وكانت هادئة وقليلة المارة وبدا لنا أن مصابيح أنوارها خافتة ولم تكن هناك أي مظاهر أو ملامح لتواجد عسكري أو لأي قوات، وبدأنا نشعر بهواجس من القلق والخوف من الفشل وتعلقت أمالنا في أن يصل إلينا رسول من عبدالناصر يطمئنا وزاد الأمر قلقا شعور قائد الكتيبة بالمرض مما إضطررنا إلي التوقف عن السير و توجهنا به إلي صيدلية في منطقة الكوربة وأخذ حقنة وبعض الأدوية….
يكمل زغلول عبدالرحمن شهادته للتاريخ …. إستأنفنا السير إلي أن وصلنا الي روكسى وأصبح بيننا وبين قيادة الجيش مسافة لا تزيد عن إثنين كيلوا متر وزاد التوتر والخوف من الفشل وبدأت عربات الكتيبة تقترب من بعضها حتي إستطلاع الكتيبة أصبح يسير أمامنا مباشرة وبدأنا نسير بحذر أكثر لكن لايمكننا أن نتوقف عن السير لإستحالة ذلك…كما أننا لا نستطيع العودة وأصبح الصمت يعلونا رغم صوت العربات العسكرية الخشن ويضيف كانت عيوننا شاخصة وفي إنتظار رسالة من عبد الناصر تبعث الطمأنينه في قلوبنا …. يقول يوسف صديق في إحدي مذكراته ” إنه بعد وصول قواتنا لمصر الجديدة، وعندما لم أجد قوات أخرى، لم أعرف ماذا أفعل، وأخذت أفكر فى كيفية الوصول لجمال عبد الناصر لكى أعرف منه ما هى الخطوة التالية.”…. يصيف زغلول …..دخلنا في المنطقة الحرجة بمجرد دخولنا شارع الخليفة المأمون من جهة روكسي وعيوننا ونظارات الميدان علي عيوننا وكانت مفاجئة في إنتظارنا ونحن كنا في إنتظارما يفعله بناالقدر …كنا نبحث عنه وكان هو يبحث عنا، كان هو في إنتظار وصولنا وكأننا علي موعد مع القدر أنه جمال عبدالناصر ….ويضيف زغلول …سألت عبدالحكيم عامر فيما بعد عن هذا الموضوع قال “نحن فكرنا في إحتمال انكَم توصلوا بدري لأننا عارفينكم ديما مستعجلين” ووضعنا هذا الأحتمال وتحركنا من عند القيادة الي شارع الخليفة المأمون……و يستطرد زغلول في شهادته … أنا أول واحد لمحت سيارة عبدالناصر قادمة من اتجاه قيادة الجيش وبدت لي كأنها حلم…. وتوقفت سيارة عبدالناصر أمام عربة الأستطلاع….ونزلنا نجري نحو سيارته أنا و يوسف وعبدالمجيد ومعنا بعض الضباط و نزل عبد الناصر وعامر منها، والتففنا حولهم،
يكمل زغلول عبد الرحمن “عبدالناصر قال لنا …. إنتم جيتم بدري … وجود القوات بهذا الشكل خطرعلينا كلنا، إحنا كده مكشوفين …فيه إجتماع في الداخل هندخل عليهم، وبعدها ركب عبدالناصر سيارته ومعه عامر وسبقونا وانتظرونا قبل قيادة الجيش بأمتار في المكان الذي بني فيه فيما بعد مسجد جمال عبدالناصر……
ناصر كان بزيه العسكري شاهرا مسدسه
سألت الصاغ زغلول عبد الرحمن وهل كان عبالناصر وعامر بملابس مدنية كما نشر في بعض المذكرات ؟فقال لي بحسم – كلام غير صحيح كان بملابسهما العسكرية وسلاحهم الشخصي .. ويضيف…رتبنا القوات ونبهني عامر أن تكون معظم قوتنا في مواجهة مدخل مقر القيادة لأن الجزء من جهة العباسية يتواجد به قوات أخري…… وفي دقائق كانت كافة الإستعدادات قد إكتملت …..توجهنا إلي مدخل مقر القيادة، وكان جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر شاهرين مسدسيهما، ويوسف صديق وأنا وعبدالمجيد شديد حاملين مدافع رشاشة ومعنا بعض الضباط بمدافعهم الشاشة، والجنود بأسلحتهم الألية الجميع في وضع قتالي وإقتحمنا البوابة الأولي لقيادة الجيش التي تطل علي الشارع- شارع الخليفة المأمون- دون أي مقاومة وبدأنا نقتحم البوابة الرئيسية و الثانية وهي مدخل القيادة و تبعد أمتار قليلة عن البوابة الأولي……فوجئنا بأن جنود حراسة البوابة يسارعون بغلق الباب …عاجلهم عبدالحكيم عامر بطلقة من مسدسه أصاب أحدهم و فر الباقي…. كان دوي طلقة مسدس عبدالحكيم و سماع دويها من بالخارج من قوتنا أدي إلي إندفاع بعض القوات في الدخول لحمايتنا…..
و ويتذكر زغلول عبد الرحمن …….. إنطلقنا في تفتيش الطابق الأول بمقر القيادة مع ترك حراسة في وضع قتالي بالمدافع الرشاشة علي السلم الصاعد للطابق الثاني…..أنتهينا من الطابق الأول وقبضنا علي كل من فيه …وتوجهنا إلي الطابق الثاني وبمجرد صعودنا فوجئنا بحرس رئيس الأركان يصوب علينا سلاحه…..أطلقت دفعة رشاش من سلاحي لإرهابهم ” ….كان صوت طلقات دفعة الرشاش التي أطلقتها يسمعها ال في ميدان العباسية….. رفع الحارسين أيدهم في وضع إستسلام وتم القبض عليهم …كانت غرفة رئيس الأركان اللواء حسين فريد مغلقة وكنا نعرف طريقها جيدا، ودخلنا وكان رئيس الأركان يقف خلف مكتبه في حالة إستسلام و في حالة ذهول كان يتفحص وجوهنا لم يقل شيئ خرج من خلف مكتبه إلقينا القبض عليه واستلمه يوسف صديق وظل في قبضته ساعات حتي يراه الجميع …. وبدأنا نلقي القبض علي جميع من في هذا الطابق أيضا ….وفي هذه اللحظات ظهر حسين الشافعي يحمل مدفع رشاش ومعه بعض الضباط والجنود ثم ظهر أحمد أنور يحمل مدفع رشاش و معه ضباط وجنود ثم ظهر ثروت عكاشة يحمل رشاش ومعه ضباط وجنود وأخذ كل واحد يقوم بمهامه بدأ ترحيل من قبض عليهم من المبني وكانت مسؤلية أحمدأنور و قام بحبسهم في مبني الكلية الحربية المواجه لمبني القيادة ….. أمر عبدالناصر بعدم قطع أسلاك التليفونات عندما أراد أحد ضباط الكتيبة قطعها بعد إستيلائه علي كابينة التليفونات الخاصة بالقيادة وبدأ عبدالناصر يستخدم تليفونات القيادة في الإطمئنان علي باقي القوات خاصة في الأسكندرية….سألته عن أنور السادات قال لم أشاهده في مقر القيادة إلا بعد الساعة الواحدة والنصف…..
أكلت بطيخ
.سألته عملت إيه بعد ذلك؟قال “ولاحاجة إزدحم المكان بالقوات التي حضرت فيما بعد وكل واحد عاوز يثبت حضوره وظهوره.،خرجت بره المبني حوالي الرابعة وجلست علي الرصيف وأرسلت العسكري جاب لي البطيخة التي كانت في عربيتي …. ثم بدأت حياة جديدة ومهام جديدة.
- انتهت شهادة الرجل ولم تنتهي حكايات الفرسان من الضباط الأحرار إنتهت الثورة بوفاة جمال عبدالناصر ولم تنتهي قصة هذا الفارس الذي لم يرحل رحم الله جمال عبدالناصر ورفاقه كانوا فرسان تركوا لنا ذكري نفتخر بها ووطن نعتز به وأمة عربية نحلم بوحدتها
وسوف أنشر مستقبلا شهادة فارس أخر من فرسان الثورة شهادة الصاغ مجدي حسنين ودوره ليله الثورة و في مدرية التحرير وحكاياته عن السادات وعبداللطيف بغدادي وجمال وصلاح سالم وعلي صبري ومحمدحسنين هيكل