مستثمرون: نساند في حدود الإمكانيات.. والمنافسة مع الدولة غير عادلة
مع تأزم الوضع الاقتصادي المصري، مؤخرًا، من تدهور لقيمة الجنيه في مقابل الدولار، ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات، مشكلات كبرى في الأجور عامة وخاصة، وفي وقت تُثار فيه الأحاديث عن استمثارات رجال الأعمال المصريين خاصة بعد إعلان عدد منهم بدء الاستثمار في دول أخرى، يظل السؤال قائمًا: هل استحواذ مؤسسات الدولة على المشروعات الكبرى كان السبب وراء “تغييب” رجال الأعمال؟ أم “تخلى” المال الخاص عن مساندة الاقتصاد المصري الذي يعاني؟
ويمر الاقتصاد المصري بأزمة كبرى وانخفضت قيمة الجنيه لما يقرب من النصف تقريبًا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، مما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب أكثر من 20 مليار دولار من أسواق أدوات الخزانة المصرية.
من زاوية، يرى عدد كبير من المراقبين والمحللين الاقتصاديين أن رجال الأعمال المصريين تخلوا عن الدولة وعن الشعب في الأزمة الاقتصادية، وفكروا فقط في مصالحهم، وأن دورهم الاجتماعي تقلص بشكل كبير مقارنةً بما كان عليه قبل ثورة يناير، ومن زاوية أخرى يرى آخرون أن تراجع دور رجال الأعمال كان رغمًا عنهم بسبب منافسة الدولة وأجهزتها لهم وهي منافسة غير عادلة بطبيعة الحال.
“الحرية” تواصلت مع عدد منهم لتسألهم عن أسباب تراجع دورهم وأسباب تخليهم عن الدولة في الأزمة الاقتصادية.
ونفى مستثمرون في حديثهم لـ”الحرية” تخليهم عن مساندة الاقتصاد المصري ، مؤكدين أن المشاركة الاجتماعية لهم لا تزال قائمة بما يستهدف النهوض بالمجتمع.
يقول رجل الصناعة، المهندس ناصر البيان، أن رجال الأعمال لم يتخلوا عن مساندة الاقتصاد المصري، ويرى أن الأزمات العالمية هي التي أثرت على أغلب المستثمرين ليس في مصر فقط، ولكن في كافة دول العالم، حيث أن كورونا أدت إلى وجود فترة كبيرة من الكساد، ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية وخلفت حالة من الركود العالمي، تبعها ارتفاع كبير فى أسعار البترول والخامات عالميا.
ويضيف في حديثه لـ”الحرية”: لا ننكر أن رجال الأعمال في مصر حصلوا على مميزات كبيرة وحققوا نجاحات كبيرة، ولكن أيضًا لهم دور كبير في مساندة الاقتصاد، “فلم نر توقف مصنع عن العمل، كما لم يتم تسريح أي عامل من وظيفته”، وظلت الصناعة المصرية صامدة أمام التحديات كافة، خاصة الكبيرة منها، والتي واجهت الدولة خلال السنوات الماضية.
وتابع البيان أن صمود الصناعة المصرية أكد على عمق جذورها التي تصل إلى آلاف السنين، رغم ما شاهدناه من انهيار دول عدة بالجوار؛ نتيجة لهشاشة اقتصادها، ولكن قوة الاقتصاد المصرى وصلابته هما أكبر دليل على تواجدنا حتى الآن داخل السوق.
وأكمل البيان قائلا ” خلال ثورة 25 يناير شاهدنا خروج أغلب الاستثمارات الأجنبية من البلاد وظل المستثمرون المصريون على الساحة الاقتصادية، ولم يتخلَ رجال الأعمال عن بلادهم، وساندوها في حدود الإمكانيات المتاحة لديهم.
وأكد البيان على أن المصانع تعمل بطاقة 10% مع حالة الكساد العالمي، خاصة وأن السوق المصري لن يستوعب كامل الطاقات الإنتاجية وكامل الإنتاج، ومع الأزمات العالمية تراجعت صادراتنا بشكل كبير، لافتا الى أن الحكومة الحالية لم تتوانَ في مساعدة الصناع، وأن الفترة الحالية في عهد الرئيس السيسي، هي أفضل فترة لمساندة الصناعة، ولكن الكساد العالمي يعيق كل ذلك.
وطالب البيان بضرورة إعادة دور هيئة المعارض، والتي كانت تعمل على الترويج للصناعات المصرية بالمعارض الدولية، وكانت تعرض على المصنعين المشاركة بكبريات المعارض الدولية وتجلب لهم الفرص كافة؛ لعرض منتجاتهم مقابل 20%، وهو الأمر الذي نحتاج إليه في الفترة القادمة، حتى تستطيع الصناعات المصرية العودة بقوة على الساحة العالمية وتعود لسابق ما كانت عليه.
ويحتل رجل الأعمال ناصف ساويرس الصدارة، كأغنى رجال الأعمال فى مصر، بثروة تقدر ب٧ مليار دولار، ويحتل محمد منصور المركز الثانى بثروة صافية تقدر ب٣.٦ مليار دولار، فيما يحتل نجيب ساويرس المركز الثالث بثروة تقدر ب ٣.٣ مليار دولار، ويليهم محمد الفايد ويوسف منصور وياسين منصور وأحمد عز ومحمد أبو العنين وهشام طلعت مصطفى وأحمد أبوهشيمة ومحمد حلاوة وغيرهم من رجال الاعمال فى مصر.
فيما اختلف مع البيان، المهندس حاتم صالح الوزير السابق للتجارة والصناعة، حيث يُرجع تقلص دور رجال الأعمال بشكل كبير إلى تقلص دورهم، نتيجة لأسباب هيكلية وسياسات داخلية، أدت إلى هذا العزوف، مضيفا في تصريحات لـ”الحرية” أن الكوفيد وحرب أوكرانيا أثرا على العالم كله، وليس مصر فقط، لكن التأثير الذى حدث فى مصر تأثير مضاعف، لم يحدث فى أى دولة فى العالم، وذلك نتيجة لأسباب وسياسات داخلية، ولكن استمرار حالة الإنكار وإلقاء المشكلة برمتها على كوفيد وحرب أوكرانيا لا يحل المشكلة، بل يعمقها ، فكيف نحل مشكلة ونحن لا نعترف بها من الأساس؟!
وقال صالح أن الأسباب الداخلية ترجع إلى دخول الدولة كمنافس فى مجالات كثيرة أدت إلى منافسة غير عادلة مع القطاع الخاص؛ ما أدى إلى تقلص الاستثمارات القائمة وعزوف الاستثمارات الجديدة على الدخول، مع الإسراف فى الاستدانة الخارجية على مشاريع طويلة المدى، بقروض قصيرة الأجل؛ ما أدى إلى خلل كبير فى ميزان المعاملات الدولارية، وسبب نقصًا حادًّا فى العملة، والأخطر هو توجه عامة الناس لدولرة مدخراتهم بدون تطمين حقيقي وإجراءات اقتصادية جادة من صناع القرار، تضمن الحفاظ على قيمة مدخرات الناس لوقف هذه الحالة الخطيرة من حمى “الدولرة”، ومع تفاقم هذه الحالة أدى إلى مزيد من الضغط على العملة وتسربها فى عمليات دولرة وتخزين بدلا من ضخها فى شرايين الاقتصاد، وبالتالي توقف العديد من الطاقات الإنتاجية، وأظن أن حل هذا الأمر لا يكون بإجراءات أمنية؛ لأنها تزيد من تفاقم المشكلة، لكن بإجراءات اقتصادية وسياسية حكيمة وفعالة.
وحول دخول الدولة كمنافس للصناعة، جاء من باب الحرص على كبح ارتفاع الأسعار غير المبررة من قبل التجار والصناع، وقال صالح أن دخول الدولة على خط التصنيع مطلوب فى بعض الصناعات الاسترتيجية الحساسة، كصناعة السلاح على سبيل المثال، أو الحديد و الصلب أو الأسمدة، أما فى صناعات مثل الألبان أو البطاطس أو البسكوت، فهذه صناعات موجودة وقائمة ويوجد مليارات مستثمرة بالفعل من القطاع الخاص وطاقات معطلة يمكن استغلالها، خاصة وأن الدولة قد خاضت تلك التجربة فى مثل هذه الصناعات فى الستينات ولم تنجح، وأغلقت هذه المصانع أبوابها بعد ذلك، لأن الدولة ليست مديرا ناجحا، وأغلقت المصانع كافة، بعد تحقيق خسائر كبيرة.
واختتم صالح كلامه قائلا إن الدولة يجب أن تكون “جهة تنظيمية وليست مالكة للنشاط الاقتصادي، معتبرًا أن المنافسة بين القطاعين الحكومي والخاص غير عادلة منذ البداية.