كتب: محمد مرزوق
انطلقت اليوم بمقر مجلس الشيوخ المصري جلسة عامة استثنائية، برئاسة المستشار بهاء أبو شقة، وكيل المجلس، لمناقشة أحد أكثر الملفات حساسية وأهمية على الصعيد الوطني، وهو ملف “السياسات والضوابط المتبعة في عمليات ترميم الآثار بمصر”. جاء ذلك بناءً على طلب مناقشة عامة تقدمت به النائبة راجية الفقي، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وحظي بتأييد أكثر من عشرين نائبًا.
ذاكرة الأمة بين الإهمال والتحديات
افتتحت النائبة راجية الفقي الجلسة بكلمة وصفت فيها الآثار المصرية بأنها الهوية الحضارية وذاكرة الأمة التي تحكي تاريخها الممتد عبر آلاف السنين. وأكدت أن التراث المصري لا يمثل مجرد حجارة صامتة، بل هو شواهد حية تجسد الإنجازات البشرية في مواجهة الزمن.
وأضافت أن المباني التراثية في مصر تواجه تحديات بيئية وطبيعية وبشرية تهدد بقاءها. وأوضحت أن بعض تلك التحديات يشمل عوامل التلوث البيئي، والتغيرات المناخية، والإهمال البشري، إلى جانب مشكلات إدارية وفنية في عمليات الترميم التي تؤدي أحيانًا إلى نتائج كارثية تهدد معالم الهوية الأثرية.
إشكاليات الترميم: هل مصر تواجه أزمة مستمرة؟
وأشارت الفقي إلى الانتقادات المتزايدة التي تطال عمليات ترميم الآثار في مصر، والتي وصفتها بعض التقارير الإعلامية بـ”العشوائية وغير العلمية”. واستشهدت بأمثلة تضمنت استخدام مواد بناء بدائية مثل الأسمنت والطوب الأحمر والجير في عمليات الترميم، وهو ما يخالف المعايير الدولية المعتمدة من منظمة اليونسكو.
“أين الضوابط؟” تساءلت الفقي أمام المجلس، مؤكدة أن هناك حاجة ملحة لمراجعة القوانين واللوائح المنظمة لعمليات الترميم، بما يضمن الحفاظ على الهوية المعمارية والتاريخية للمباني الأثرية.
مصر واليونسكو: مواقع عالمية تحت التهديد
في استعراض دقيق، أشارت الفقي إلى أن مصر تحتضن سبعة مواقع مسجلة ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، من بينها منطقة أهرامات الجيزة، والقاهرة التاريخية، ومعابد النوبة، ودير سانت كاترين، بالإضافة إلى موقع طبيعي فريد وهو وادي الحيتان.
وأكدت النائبة أن تلك المواقع، رغم قيمتها التاريخية، تعاني من تدهور مستمر بسبب الإهمال وسوء إدارة الترميم، مما يعرض بعضها لخطر الخروج من القائمة العالمية، وهو ما يمثل كارثة على الصعيدين الوطني والدولي.
تعزيز السياحة: مطلب وطني ودولي
إلى جانب ملف الترميم، يناقش المجلس أيضًا طلبًا مقدمًا من النائب جيفارا الجافي بشأن آليات تعزيز مكانة مصر السياحية عالميًا. وأشار الجافي في مداخلته إلى أن مصر، رغم امتلاكها ثلث آثار العالم، لم تحقق حتى الآن الاستفادة الكاملة من هذه الثروة الحضارية.
وطالب الجافي الحكومة بضرورة وضع استراتيجية متكاملة تعتمد على التسويق الرقمي، وتحسين البنية التحتية السياحية، وتطوير تجربة الزائر في المواقع الأثرية، بما يعزز من التنافسية الدولية لمصر كوجهة سياحية عالمية.
أرقام ودلالات
وفقًا لتقارير اليونسكو، فقد تعرضت بعض الآثار المصرية لتدهور كبير خلال العقد الماضي، ما أدى إلى تسجيل مواقع مثل أبو مينا الأثرية بالإسكندرية ضمن قائمة المواقع المهددة بالخطر.
تُقدّر الإيرادات السياحية لمصر في عام 2024 بنحو 14 مليار دولار، لكنها ما زالت أقل بكثير من الإمكانيات التي توفرها المواقع الأثرية والتراثية.
ختام الجلسة: دعوة للعمل المشترك
اختتم المستشار بهاء أبو شقة الجلسة بدعوة الحكومة وكافة الجهات المعنية إلى التعاون الجاد لوضع سياسات شاملة لحماية التراث المصري، مؤكدًا أن الحفاظ على التراث ليس رفاهية، بل مسؤولية وطنية تحتم علينا جميعًا حماية تاريخنا للأجيال القادمة.
وأنهى أبو شقة الجلسة بقوله إن “الآثار ليست حجارة، بل شريان حياة للأمة المصرية”، مؤكداً أن مجلس الشيوخ سيواصل متابعة هذا الملف لضمان تحقيق خطوات عملية على أرض الواقع.