لكل شيئ في هذا الكون ثمن.. للحياة ثمن.. وللموت ثمن. للحب ثمن وللكُرْه ثمن. للضِعَةِ ثمن وللمجد ثمن. للشجاعة ثمن وللخيانة ثمن.. لا شيئ بلا مقابل، ولا شيئ يُمنح لقاء لا شيئ.. أمّا “الحرية” فثمنها غالٍ، وكلفتها عالية.. لأنها عملة نادرة في الأسواق والممالك. وهي قيمة عصيّة على الامتلاك، لا يتم تداولها في الأسواق وساحات البيع والتجارة، أو يُنظر إليها كسلعة يتم التعامل بها في “مولات” هذا الزمان!.
مَن يطلب “الحرية” لابد وأن يكون مُستعدٌ للبذل، ومُهيأًٌ لدفع مهرها.. لأنه لا يُدفع هذا المهر جزافاً، ولا يُقدم على التضحية لقائه إلّا عاشق مُستهام، ومن عشق “الحرية” عليه أن يكون مُستعداً لافتدائها بالغالي والنفيس، ومهر “الحرية” هو الوجود ذاته.. إنه دم الحياة، وسر البقاء كما علمنا “أمير الشعراء:
وللحريةِ الحمراء بابٌ بكل يدٍ مُضَرّجةٍ ّيُدَقُّ
ولا يدفع مهر”الحرية”، عن طيب خاطر ورضا النفس والبصيرة، إلّا العبيد أو الأحرار !
يدفعه الأحرار ضريبةً للإبقاء على حريتهم، ويدفعه العبيد ثمناً لتحرُّرهم من قيودهم وانعتاقهم من عبوديتهم. ولا يعتقدن إنسانٌ أنه قادر على امتلاكها دون أن يؤدي مُقابلها، حيث لكل شيئ في هذا الكون ثمن.. للحياة ثمن.. وللموت ثمن. للحب ثمن وللكُرْه ثمن. للضِعَةِ ثمن وللمجد ثمن. للشجاعة ثمن وللخيانة ثمن.. فلا شيئ بلا مقابل، ولا شيئ يُمنح لقاء لا شيئ..
أمّا الانتهازيون، وباعة الشعارات وتُجّار الكلام، فهم يخشون هذا النوع من “البضاعة” خشية الموت.. فدمهم “أزرق” لا يُريدون له أن يُمنح مقابل أي قيمة.. حتى لو كانت قيمة “الحرية”، لأنهم في قرارة أنفسهم أعداء لـها، ناقمين على وجودها، فيعيشون عبيداً لخوفهم منها، وكراهيتهم لسيرتها، أسرى لمذلّتهم وجبنهم.. فيموتون وهم أحياء!
وقد يسأل قائل: لماذا ندفع هذا الثمن الباهظ لقاء حريتنا؟، والجواب بسيط: لأنها هي الحياة، وبدونها تنتفي كينونة الإنسان، وبغيرها لا حياة!.
وإن حلّت بالكون مرارات الوجود، واسودّت الدنيا في عيون ناظريها، فاطلبوا الخلاص لدى “الحرية” وليس لدى أحد سواها..
فطريق الخلاص واضح، ومعالمه مكشوفة، وملامحه مرسومة أمام أصحاب البصر والبصيرة: “الحرية”!
فإذا أردتم البناء.. عليكم بـ “الحرية”، وإذا استهدفتم الرفعة.. فطريقها هو “الحرية”، وإذا رُمتم هزيمة عدوكم فسلاحكم “الحرية”، وإذا أردتم كفاية حاجات شعبكم فعليكم بـ “الحرية”، وإذا استهدفتم اللحاق بمن سبقكم فأداتكم “الحرية”..
“الحرية” .. “الحرية..
: إنها الدواء لمن لا دواء لديه، والبُرء لمن لا شفاء له، بها نهضت الأمم، وعلى ركائزها بُنيت الأوطان، ومن فيض عطائها انتصرت الشعوب، وبنورها تحرّرت العقول وتفتّح الوجدان، ونبضت القلوب، وسقطت الأوثان!
يكتب “بول إيلوار”: “بقوة كلمة.. أستعيدُ حياتي.. وهل وُلدتُ إلّا لأعرفك وأُُسميكِ.. أيتها “الحرية”.